الاثنين، يونيو 25، 2012

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية)- الفصل العاشر


أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية(- الفصل العاشر
الفصل العاشر
10
البحث في عالم الجن والجان
أبو بدران دخل في عالم الجن والجان ، يبحث عن اللؤلؤ والمرجان ، قال له طبيب الزمان ، ذات مرة من الاوان ، لا بد من النسوان ، راحة للقلب والأطمئنان ، عندهن جمال فتّان ، وقوام كالغزلان ، لاتبتعد عنهن وتكن جبان ، وأنت بطل من الشجعان ، لايغرك ما تراه منهن وهن في لاحضان ، هذا من عادات الشعوب والبلدان ، أيها البطل الفنان .
قال أبو بدران يرد على طبيب الزمان ، بقلب مجروح من جور اليالي والحرمان : << لا أستطيع الصبر ولا السلوان ، ولاأطيق ما تراه العينان ، أين المخرج يا طبيب الزمان ؟ >>.   
قال طبيب الزمان ، عليك بالمغامرة وخوض المعارك بحسن اللسان ، والتلطف للحسان ، حتى تكسب ودهن ، ونظرات الغزلان ، وإلاّ أصبحت محروم على طوال الزمان ، وقلبك يتقطع حصرات وأنت غلبان ، ابدأ البحث من الآن .
وهكذا انطلق في البحث عن نصف نفس آخرى ، يتصفح الوجوه ، يتأمل الناس الذين يجوبون الشارع ، يبحث عن نصف نفسه الآخرى لتكملها لترجع اليها في اوقات الشدة ، تجد عندها الراحة والأطمئنان ، نظرة عطف وحنان ، كلمة ود تريحها من متاعب الدنيا التي واجهتها خلال النهار ، تريحها من الأفكار التي تخمرت في فكر ه.
يتصور الحسن والجمال ، مستعرض الوجوه التي تمر به والحسان ، او التي تصادفه خلال النهار ، يبحث عن غاية الجمال ، عن معنى الحسن ، إمتداد القامة ، إمتزاج البياض بالحمرة للخد ، الصوت الحسن ، ذالك الصوت الذي يخرج من بين الشفاه الصغيرة الذي تستلذ الأذن بالأستماع اليه عند الكلام ، تلك النبرات المؤسقية التي تخرج من ذلك الثغر فلا تسأل عنها ، يقوا عنها شعراً :
أول الكلمات
في هذه النغمات توجد همسات
اولها نبع شوق بعناء آت
طار عبر الفضاء بجروح وانّـآت
ممطر على الدنيا زفرات وآهآت
هذه النغمات قاسيات محرقات ناعمات
يزيدها الابتسام جمال على جمال ، الجمال النفسي ، العقل ، العفة ، لا تدرك حصول اللذه إلاّ عند إدراك حسنها.
كان في حالة إحباط تام وهو يمشي في الشارع يتفحص الوجوه ، يقول : << كان وجهي تبدؤ عليه علامات القلق والحزن ، مكتئباً وقفت في حالة إرتباك ، أتصفح الوجوه ، أبحث عن وجه يشع منه بعض الحنان نحوي ، كنت متلهف على صديق ينصت ليّ في هدوء ، احتاج إلى من يجلب العزاء والراحة ليّ ، إلى شخص أستطيع أن أضع رأسي في حجره ، أو على صدره ، في لحظات اليأس والانقباض ، لكن تمر الوجوه ، وابقى مهجوراً تعيساً ، عاجز عن أن أجد مكان للراحة الجسدية أو النفسية ، الواقع اصابني بمرارة شديدة >> .
هذا البحث يطول به ، يغيب في عالم اللاوعي ، يتمنى من تشارك نفسه ، ان يقتسموا الحرفين بينهما ، يأخذ الحاء ويعطيها الباء والشدة  تكون جسر الملتقى ، لكن الظاهر أنه لم يكن له حظ في الحب ، الناس يتكلمون من حوله عن اسرار الحب ، عن النساء ، يسمع ذلك ويشاهده بعينيه .
الحب نموذج جميل وفريد للتعبير عن الجهود المشتركة ، يغمض عينيه ويتمنى شريكة حياته يحاول إحضار صورتها التي رسمها لها في مخيلته ، تلك التي مرت من امامه قبل لحظات لا ...  تلك الجميلة ذات العيون الخضراء لا ...  يجب ان تكون اجمل واحدة على وجه الارض ...  لا يقدر أن يتذكر ملامحها جيداً في مخيلته ، من كثر ما يغيرها بين الفينة والآخرى عندما يرى اجمل منها ، لها قوام جميل  ...  نعم  ...  نعم  ...  نعم .
كل شي أصابه التغيير حتى ذاكرته بدأ عليها التغيير ،  ليست على الصورة التي رسمها لها في ذاكرته ، في كل مرة تتغير صورتها تتأكل من الذاكرة كانّ قد اتى عليها فيرس كما يقال في عالم الكمبيوتر ، لكن تلك الملامح الأساسية لا تتغير لازالت عالقة بالذاكرة ، يقول عن ذلك شعراً :
وهم
سأفتح أشرعتي وابحر
بحر الحياة طويل واصفر
انني كنت في الوهم اتمرمر
عندما اعتقدت بحب الأسمر
لكن خاب ظني وقصّر
تقاوم تلك التشويشات التي تطرى على مراكز الحفظ ، شابة جميلة ، رائعة مثيرة ، قوام جميل ، وحسن فتّان .
يشتاق إلى ذلك الحنان ، ذلك النبع الذي فيه يجد نفسه ، يجد التوازن والحياة الكريمة ، لكنه لم يظفر به ، كلما يترأى له ، ويتخيل أنه سيمسكه ، يفرّ من أمامي كأنه حصان جامح أنفلت من قيوده ، وغدا يرمح بفرح وسرور ، وصوت صهيله يجلجل السكون ، فيتركه خلفه يتجرع حسرته .
لكنه جعل كل شي يبدؤ بعيداً خيالياً ليس بواقع ، فتمثل بقول الشاعر (مسلم بن الوليد الأنصاري):
بلى رُبّما وكّلت عيني بنظرة    إليها تزيد القلب خبلاً على خبل
حيث أنّه يسى ويضيق صدره ، تطرى عليه حالة يسى منها عندما يرى اثنين مع بعضهم البعض ، يداهم متشابكة ، او احدهم مائل برأسه على صدر الآخر ، ام هم في عناق ابدي ، يشعر شعور أنّه غريب ، يتأمل ذلك الجمال الذي ليس له فيه نصيب ، يتأمل تلك المشاهد التي ليس له فيها حظ، ذلك الجمال يشعره برغبة في أظار عاطفته ، تلك المناظر تشعره برغبة غريبة ، يثير فيه مزيجاً كيماوياً من الرغبات والعواطف والتركيبات النفسية ، إيحاءت غامضة ، لم تكن له خبرة بالبشر أو بالأحرى بالجنس الآخر ، كثيرون في هذه الحياة ليس لهم وزن أو قيمة  بدون الروابط الانسانية.
لم يجد من يرتمي في حضنه أو يحتضنه ، يكفي إمرأة واحدة يعشقها حتى يعود متزناً ، يجد معها السكينة ، بدل اؤلائك الذين يعيشون معه ، الذين لايفهمونه ولا يفهمهم .
افاق من خياله عندما رأى زوج تشابكت ايديهم ، يمشيان متلاسقين، أرخى كفها واحاط خسرها  بذراعه، فمالت برأسها علي كتفه ، يتهامسان ، قال في نفسه متى أجد نفسي الثانية ، هذا مستحيل مستحيل واطلقها بصوت عال ، فالتفتا إليه وقالا هذا مجنون .
نهاية الفصل العاشر

ليست هناك تعليقات: