الخميس، مارس 17، 2011

مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب - الرسالة الخامسة


مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب
الرسالة الخامسة
28-06-1996
إلى من هو عنوان رسالتي
 الى المغترب...
تحية عطرة معطرة بازكى روائح الورد، وتحية طيبة أهديها لك مع نسمات بحرالاندلس العليلة ...
في الحقيقة لا أعرف بماذا ابدأ لاني خجلانة من تصرفي هذا، فبعد طول من الانقطاع، كان السبب أنا طبعاً لآني لم أبعث الرسالة بنفسي واعتمدت على أختي وهذه الاخيرة نسيت، وظننت بإن الرسالة وصلتك، وبدأت في إنتظار ردك، لكن البارحة وأنا أجمع كتبي رايت الرسالة، وما أدهشني أنها لك، ولكن الحمد لله، أنني وجدتها، وألاّ فسأظل أنتظر بدون جدوى.
صديقي المغترب فعلاً أنني جداً أسفة، وأسفة كثير على تصرفي غير اللبق وارجو المعذرة.
صديقي المغترب أوجه لك شكري الكبير على عرضك لي للضيافة فعلاً أمنيتي زيارة بلدك ولكن المشاكل في التاشيرة (Visa) فهي صعبة المنال، فيجب أن ابعث للقنصلية في بلدك الذي تقيم فية، وهذا أن قبلت، لكن ساحاول جاهدة حتى احصل عليها هذه المرة ليس لاني أريد رؤية بلدك فحسب بل لأرى هذا الشخص الذي أكتب له دون رؤيته أو بالاحرى لأكشف القناع عن صاحب الظل الطويل، فعلاً فأنت بالنسبة لي ظل طويل، فكلما أحسست بشي يرهقني أو مشكلة تجدني أكتب لك أو أعد رسائلك، طبعاً لانك صديقي الوحيد.
صديقي المغترب: انني أكتب لك هذه الرسالة في جو هادئ جميل من شاطئ البحر (بحر الاندلس) برفقة أخي واختي بعد ما انهيت من جو الدراسة ولم تبقى الاّ النتائج وغداً سيكون يوم النقاط، فأنا جدأ خائقة لهذا اليوم، كما أنني أجد فرحة لآن بالامس تمت الخطوبة لاخي، والزفاف سيكون في شهر أوت (أغسطس، آب) إن شاء الله، وهذه المرة انا من يعرضك للزفاف لتتعرف على تقاليدنا وعلى مدينتنا ولترى صديقتك ليلى طبعاً، أتمنى من كل قلبي أن تكون امورك موفقة حتى تستطيع المجيء إن شاء الله.
اما بما يخص صورتي فلك هذه الصورة

 وساعدك بإن ابعث لك صورة أخرى في هذا الصيف، كما أتمنى أن تبعث لي أنت كذلك بصورة لك إن كان ممكن. وفيما يخص المراسلة فأرجو ان تراسلني على العنوان الاول لان السنة الدراسية انتهت، وساكون في البيت بتداء من 02-07-96. أما أسئلتي هذه المرة ستكون عن صحتك واحوالك والباقي هو عندك.
في الرسالة السابقة لي لم تجبني عن اي سؤال.
وفي الاخير تقبل مني فائق احتراماتي وتحياتي لك والى كل من حولك.
                                                                        ودمت لصديقتك ليلى
الرد على الرسالة الخامسة 
18-10-1996
الآنسة ليلى العزيزة
تحية واشواق حارة أزفها مع هذه الرسالة راحياً ان تصلك وانت في أجمل الاوقات.
وبعد: يسرني ان ارد على رسالتك المؤرخة 28-06-1996 والتي استلمتها في اول اسبوع من شهر 9، وبعد رجوعي من بلدي الاصلي حيث كنت في زيارة للاهل، والتي كانت مسجلة وبداخلها صورتك التي قد سررت بها للغاية.
وايضاً قد علمت أنك قد أتصلتي بي مرتين ولم أكن موجود لسؤ الحظ، في المرة الاولى لقد ذكرتي انك سوف تتصلي في صباح اليوم التالي فأستنظرت مكالمتكي ولكنكي لم تتصلي بي في ذلك اليوم، مما دعاني لمراجعة كل رسائلكي علّي أجد رقم هاتفكي حتى اتصل بكي ولكني لم اعثر على شئ، ثم أتصلتي في يوم آخر حيث لم أكم موجود ايضاً، فارجو منك في المستقبل اذا أتصلتي ولم تجدينني أن تحددي لي وقت معين تتصلي فية حتى استنظرك أو ان تتركي لي رقم تلفونكي والوقت الذي اتصل بك فيه.
عزيزتي ليلى:
كم أنا مسرور برسالتكي التي ارسلتيها لي وكم كانت لي مفاجئة تلك الهدية التي بداخلها، حقاً أنك جملة جداً، طبعاً كما وعدك سوف ارسل لك صورتي مع هذه الرسالة.

ولا يفوتني أن أهنئك بزفاف اخوكي ولو أنه متأخر جداُ ألف مبروك.
أعتذر لكي جداً على تأخري عليكي بالرد أولاً لاني لم اكن موجود في الصيف حيث استلمتها متأخراً ثم بعد ان استلمتها كنت مشغول جداً في أمور خاصة لا داعي لذكرها.
ختاماً تقبلي مني أجمل التحيات والى اللقاء مع رسالة أخرى من طرفك.
                                                               دمتي لصديقكي المغترب
ترقبوا الرسالة السادسة في الايام القادمة

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل التاسع


أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية( - الفصل التاسع
الفصل التاسع
9
حالات غريبة
بدأت عنده ظاهرة الغيرة من الحيوانات المدّللة ومن معيشتها وحياتها التي أصبحت أفضل من حياته .
فذات مرة من المرات، وهو واقف على الطريق مرت به سيارة فخمة ومن مقعدها الخلفي أطل عليه رأس كلب سمين ذو شعر غزير نظر له، بعينين في نظرتهم السخرية والأستعلاء، وكأنه يقول إلى أبي بدران أنظر ليّ أنا أفضل منك حالاً، هذه سيارتي وهذا سائقها خادمي، ينقلني حيث اريد، يطعمني متى أشاء، ليس عندي هموم مثلك، لماذا تنظر لي هكذا؟ أيها الفقير المعدوم، إذ لم تكف نظرك انقضضت عليك، وعضضت ساقيك، ومزقت ثيابك التي عليك، وجعلت المارة يضحكوا عليك، وجعلتك عبرة لمن لا يعتبر، أيها الفقير النذل، فحز ذلك في نفس أبي بدران وانشد يقول :
كلـب قـد أنعم اللـه عليـه بزينة المـركب
وصاحب يكفيه  مؤنة المأكل والمشرب
ونحن نتخبط في مؤنة العيش والمكسب
ضيق الحياة أمر عسير و صعب المطلب
شقاوة ليس منها أو عنها ملاذ أو مهرب
بركان الاحلام الهائمة، تسبح في دماغه، يلهث جابذ النَفْس تلو النَفْس، المصائب والمحن ألوان، الالم النفسي ينشط ويشتد وترتجف منه الاوصال .
هكذا كان أبو بدران في حالات غريبة من التقلبات، كان من الناس الذين يحلوا لهم أن يتغنوا بـأنفسهم، مدحاً أو ذماً، إطراً أو هجاءاً، أو من الذين يثير في نفوسهم منظرهم بالسعادة والفخمة والعظمة، او لاحتقار والازدراء والنبذ .
وأخونا أبو بدران فهو صاحب الرأي والشأن، من الذين يتغزلون بأنفسهم، حتى أنه ذات مرة من الزمان، بعد أن نظر إلى نفسه في المرآة ورأى رأسه قد خف شعره بالتساقط، كأنه أوراق شجرة هزتها رياح الخريف فبدت أغصانها جرداء، تلاطم عنفوان الشتاء، القادم عليها بزمهريره القارص، فهزته تلك المشاعر فقال:
بدأت لعيني جلدة رأسي
والشعر عنها قد أنحاسِ
كأنها مرآة
أو صفحة ماء صافي
هذه ليست المرة الأولى التي يتغزل فيها برأسه إذ سبقتها مرات كثيرة، منها ذات يوم رأى شعر رأسه ظهر فيه الشيب فقال :
أرى القطن أزهر في رأسي    وزحف من الصحراء اتي
هكذا السنين تتلو بعضها بعضاً، تاركة بثقلها على عاتق أبي بدران حتى بدأت شيخوخته قبل شبابه، فعندما أكتمل به المشيب، وأكتسى جل رأسه وعمه الشيب نعاه بقوله :
أبيضت غواربي وعالي الرأس خاوي
اما عن فترة شبابه فحدث ولا حرج قال فيه كثير من الاشعار والاهازيج منها قوله:
في ضحى الشبابِ، حظ تعثر وانسابِ
إلى الحضيضِ، من غير ارتيابِ
ومنها قوله عن عيشه في فترة الشباب:
عشت شبابي بين بؤس وترحال
وبين آلام تذهب بكل آمالي
وحيد اغرد في الكون وَبالي
اما عن ضياع الشباب وهو يتحصر على شبابه فقد قال:
آه وحصرتاه على شباب قد ضاع
بين التمني والآهات و الأوجاع
وبين أحلام الخيال بيوم جميل وسّاع
اما عن حظه في الحياة وتقدمه بالعمر ففيه يقول: << قد بلقت من الكبر عتيا ولم أزل شقيا >> . وجاشت نفسة بالمشاعر وأنشد يقول:
ألا أيها الدهر قد عذبتني
و أظهرت في مفارقي المشيبا
أصبحت من هم الحياة كئيبا
لا صديقاً أناجيه ولا قريباً
رافقني الشؤم وسؤ حظي
لا مفر منه شمالاً ولا جنوباً
تنهد بحسرة ثم قال:
بدأت أنقب عن ذاتي
بين أحزاني وآهاتي
وبدأت الآلام تأتي
دون إلقاء التحياتِ
ثم صمت لحظة وتابع بقوله:
أنا في ربيع العمر لم أقطف أزهاره
ثم أتى صيفي شديد الحرارة
تلته زوابع الخريف سلبني النظارة
فلم يبقر لي في شتاءي سوى الطهارة

اما عن أمآله واحلامه في مجريات ايامه فقال:
طال الأمل و طال الألم
جفت ينابيع الأمل
والقلب لم يعد سوى جرح لم يلتئم
***
 أمل الليالي الخالية وضياع العمر
حزن مزمن لا شفاء منه
أمل الليالي والسنين حصره تلو حصره
حصره عتيقة تنفلت
ثم صمت لحظة وأنشد:
كم زرعت من أماني وأحلام
وطال الزمان وطال المقام
ولم ينبت من زرعي غير أوهام
لكن تتغير نفسيته بين لحظة وآخري فقال مخاطب حاله بهمة عالية:
إذا داهمتك أفكار اليأس
ابكي على نفسك
واجلس على الكرسي
***
يا سيئ الحظ لا تلم إلاّ حظك
مهما طال الزمان كظلك
إن نشدت السعادة يضلك
لكن هذه الحالة من المعنوية العالية لم تدوم طويلاً، فنهارت أعصابه وبداء يبكي على حظه بدموع بللت وجه وهو يقول:
سالت دموعي وبلبلت جفوني
من كثرة همومي زادت شجوني
أين المفر من هذا الدهر؟ الحقوني
سئ حظي وأستعصى على جبيني
لا يريد أن يغادرني طول زماني
ثم انتابته حالة من المعنوية العالية مرة آخرى فقفز بهمة وقال لنفسه وهو يخاطب حاله:
كفكف دموعك كف للحزن شاهراً
مرأى وجهك في هذا الكون رماداً
ثم تراخت همته فرد على نفسه وهو يقول:
هبت رياح البين علي وطالت لياليها
قصفت رعودها وزاد وابلها فسال واديها
سكت برة ثم قال وهو لا زال تحت تأثير معنوياته النفسية المترديه:
اسبح في بحر المئاسى
بدون أحد يؤاسى
***
لا بيت لي ولا وطن
مشردأصابني الوهن
الحياة حولي تفور فتن
ورأسي ملئ بالحزن
عز الشباب قلب طعين
وجسم ناحل وهن
لا بيت لي ولا وطن
مشرد في الكون بين المحن
لله أشكو هذه الفتن
وأدعوه جنة عدن
لكن أبو بدران في حالاته هذ الغريبة يستمر في تقلبات بين مد وجزر فيتعنى في نفسه بقوله:
ليَّ نفسٌ باكيةٌ تئنُ  بكل حادثةٍ تَحِنُ
مما جرى به الزمان و فاض علي وابله بالمحن.
***
وحيد إلا من همومي
أين هي معالم سعادتي؟
بارزة على جفوني
وعندما وصل الى مرحلة الياس من انفراج كابوس الحزن ولم يجد مخرج من مئاسيه تنهد تنهيدة عميقة وقال:
من أين أنْفِذُ من كهوف الحزن؟
إذا سدت في وجهي بكل عنفوان
لكنه مع طول الزمن وتتابع المحن صبح عنده شيء من المناعة، ولم يعد يفرق بين الحزن والفرح، فقال في ذلك:
الفرح والحزن عندي سواء
تُغني النفس ألماً وإعياء
ليس كل أيامي سواء
تقلب مع نفسي دهاء
يوم سرور يتبعه شرور وداء
أبو بدران كلما تقدمت به الحياة للأمام كلما تعقدت في وجه الأمور وتعثرحظه المشئوم، فأنشد ذات يوم :
لا زلت أبحث عنك يا خظي   بين المأسي والآم مهجتي.
لكن المحن تتابع وامور الحياة تجري كما هو مقدر لها، أبو بدران هو بطلها، من عثرة الى عثرة، فتغني يوماً وقال:
تاهت سفينة حياتي وتحطمت أشرعتها
في بحر الكون غرقت، فمن الذي ينجدها؟
تدافع أليها الموج من كل صوب، فأين تجدها؟
روحي تشبثت بالنجاة، فمن الذي يؤازرها؟
إليك ربي دعائي ،دائماً، الله هو الذي ينقذها.
نهاية الفصل التاسع