الاثنين، ديسمبر 13، 2010

مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب - الرسالة الثالثة


الرسالة الثالثة
05-10-95
إلى من هو عنوان رسالتي السيد المغترب.
تحية عطرة معطرة برائحة الورد، والزهور اليّ تفوح عطراً وعبقاً، أرفعها من صميم قلبي، راجية من الله دوام الصحة والسعادة.
ألحَّ عليَّ قلمي بالإمساك به للكتابة على هذه الورقة البيضاء الصماء، ولكنه حائر ماذا يكتب، وماذا يضيف ،وماذا يقول؛ لا ادري ربما يعجز عن الكلام والوصف، وعلى كل الأحوال أشكره لأنه قد عبر ولو بجزء صغير عما يريد لفظه لساني.
أما بعد:
أخي العزيز المغترب: لا أعرف كيف اصف لك حالتي بعد وصول رسالتك. المهم شكراً جزيلاً على قبولك صداقتي ومؤاخاتي. ولكي تتعرف كثيراً على أختك وصديقتك ليلى، فاليك كما طلبت، نبذة عما يحيط بها، والباقي ستكتشفه أنت عبر رسائل مقبلة إن شاء الله.
ليلي طالبة في كلية الهندسة للاعلام الألي، تحب المسيقى الهادئة، وكل كلمة وقصيدة رائعة، سواء باللغة العربية او الفرنسية، وهي بذلك تحب الادب كهواية رغم ميولها للمواد العلمية، في هذه الايام تباشر في دراسة اللغة الانجليزية لانها دون المستوى؛ هادئة الطبع وفي نفس الوقت خفيفة الروح حيالة كل شيء جميل، صريحة تطمع في ان تجد نفسها في أحضان جو هادئ يسوده التفاهم والوئام، والصفاء الروحي والثقة. في الحقيقة ليلى تريد ان تعيش في جو بعيد عما تعيشه الأن من خيانة وقتل ورعب. فهمها الوحيد هو إصلاح هذا الوضع الذي سيظل هكذا كما أظن، فهي لا تريد أن تر إعوجاجاً في وقر بلدها، لا تريد أن تر الضياع، وهي بذلك تعمل المستحيل لتوفر لنفسها جوّا يلائم أحلامها؛ تعمل من أفكارها أعمال تطبيقية لا نظرية، تريد ان تبحث لنفسها عن نفس تلائم نفسها ولا يهمها تفكيرها بقدر ما يهمها قلبها، بنفس حنونة واثقة وتجد فيها الثقة وتعلمها الثقة.
هذا كلة عني أنا، اما عن عائلتي فهي متكونة من الأم وثلاثة إخوة وخمس أخوات ، الكل متزوج ما عدا أخي واختي الصغيرة وطبعا أنا، الاب متوفي منذ سبع سنوات.
أخي العزيز الغترب: في المرة السالفة طرحت عليّ سؤال وكان كالأتي: كيف نتوصل إلى الحنان؟؟ ... أرجو الاجابة يا يها الأنسان!!، وهاهو الأنسان يجيبك بمايلي: الحنان هو شيء معنوي وهو بذلك إحساس وشعور يتولد عن مجموعة من الصفات، فيكون من بينها الحب، والشوفقة، والعطف، وهو إما ان يكون مكتسب أو وراثي، فالحنان ليس له مقر و وقر، فهو موجود في أي جهة تتجه اليها؛ المهم هو حبك للحصول عليه بالنية والأخلاص ثم التقرب للشخص الذي حتى وإن تجهلة، فهو شعور صادق غير مسبوق.
فكيف تقفز في الاحضان وبعضهم يعدم القلوب البيضاء
وذا جردوك من اللسان فما عليك الإ بالاصغاء
ولماذا تبحث في الديوان وهو محبب في الغناء
وحتى وإن بحثت في الدكان فقد تتنكر للبقاء
وإن قلدت الشارع والميدان فأعلم بأن التقليد مضاء
ويجيبك هذا الأنسان بإن الحنان مصدره الصفاء!!
هذه ببساطة نظرة موجزة عن معنى الحنان، فهو قد يأتي من كل منبع عفيف صافي. واتمنى أن تجيبني عنه في الرسالة القادمة.
أما سؤالي: ماهي الجوانب التي تبحث عنها في نفس أخرى تلائم نفسك؟؟
أخي العزيز الغترب: أرجو انني لم أثقل عليك بجريدتي، كما أرجو بإن أحضى بصداقتك واخوتك دائماً، واكون عند حسن ظنك، وأن نتناقش على كل شيء، واعتذر عما أرتكبته  من خطاء سواء في التعبير او التفكير فشعاري هو التعلم وقبول النقد، طبعاً لأنك صديقي!!.
وأخيرا تقبل تحياتي إليك وإلى كل من يقترب منك وشكراً.
صديقتك وأختك ليلى

الرد على الرسالة الثالثة 
21/10/95
الآنسة ليلى الغالية.
تحية عطرة معطرة بروائح الورد والزهور، تحية إخلاص ومحبة، تحية أزفها عبر هذه سطور، راجياً من المولى عز وجل، ان تصلك وانت في تمام من الصحة، و وافر من السعادة والأطمئنان، والصفاء النفسي، وهدوء البال.
ما بعد:
لقد تشرفت برسالتك اللطيفة، وسرني ماجاء فيها من جميل الكلام، ولطف التعبير والإنشاء. واشرك على كل حرف كتبتيه.
أختي الغالية ليلى:  لقد طرحتي عليّ في رسالتك سؤالين، الأول قد أجتني أنت عليه، وهو كيف نتوصل للحنان، واجابتي لا تختلف عن اجابتك بشيء، بإن الحنان مصدرة الصفاء والسكينة، والأطمئنان، واقول لك عندك شعور مرهف ومسيقى شعرية جميلة جداً، بخصوص الابيات التي كتبتيها إجابة على الموضوع.
اما السؤال الثاني: ماهي الجوانب التي تبحث عنها في نفس أخرى تلائم نفسك؟
هذا السؤال يحيرني    أما الأجابة فتجذبني
أ لِلسؤال يمر مرني   أم  للأجابة تفرفرني
حيران من ينقضني!!     فلحالتين لا تسعفني
هذا السؤال حساس للغاية ومن الصعب الأجابة عليه ببضعة سطور. أما بشكل عام، استطيع ان اقسمة او اصنفة الى حالتين أو من جانبين، خَلقية وخُلقية فكل واحدة متممة للأخرى.
الخَلقية: أهمها الجمال والمنظر الحسن، وما يتبعة من صفات ظاهرة تجلب السرور لناظرها.
الخُلقية: الفطنة والذكاء والمرح، وخفة الروح والأنسجام.
هذا بشكل عام واجمالي، مايترتب على ذلك من حسن التصرف، وقبول الطباع النفسية من كل الجانبين. واحيل السؤال اليك وما وجة نظرك فيه.
اما سؤالي: ماهي الاشياء المحببة إلى نفسك، من جميع النواحي، وماهي الاشياء تبغضيها، وكيف يمكن التوصل إلى تجنبها؟
أرجو انني لم اطيل عليك برسالتي هذه، وللعلم أخبرك انني أحب الرسائل الطويلة ذات الشروح الوافية، فاذا كان عندك كثير من الوقت، فأكتبي لي رسالة طويلة، وكل ما يخطر على بالك، فأنا على أستعداد أن اجيبك على كل ما تريدي من ستفسارات واسئلة واقتراحات.
أختي الغالية ليلى: اذا كان بالإمكان ان ترسلي لي صورتك اذا لم يكن هناك مانع، وان تحدثيني عن نفسك.
أكرر شكري لك على رسالتك الطيفة، مع خالص تحياتي ودعائي لك بالتوفيق والنجاح والمستقبل الزاهر، مع أجمل سلامي لك و إلى جميع أفراد أسرتك الكريمة وتقبلي وافر الاحترام وشكراً.
صديقك المغترب
ترقبوا الرسالة الرابعة في الايام القادمة


أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل السابع


أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية( - الفصل السابع
الفصل السابع
7
في معترك الحياة
قرر أن يدخل معترك الحياة ، وأن يواجه الصعاب والعقبات ، مهما كلفه ذلك ، وهل يكلفه أكثر من حياته كلها ، هي حياة واحدة لا أكثر ، أو هي الكابوس الحقيقي على مشارف الجنون ، أو هي الجنون نفسه ، أليس المجانين أولاد ناس؟! .
وهكذا تمضي بابي بدران الحياة كغيره من البشر الأشقياء ، الذين عانوا من عناء الدنيا التي كتبت عليهم ، يضع نفسه موضعها من الحياة ، يحاول أن يواجهها بالشجاعة والصبر ، لكن تخر قواه ، وتضعف حيلته ، أمام الواقع المشئوم الذي لا يقدر على تحمله ، فينادي مستغيثاً :
مأسي ليس لها حدود
نبني  لها  السدود
تفيض علينا بجود
لكن لا أحد يسمع نداه ، ولا أحد يستجيب له ، يقف وحده  يواجه الدنيا ومشاكلها ، لا من مساعدٍ ولا من مواسٍ .الناس أصبح لا عهد لهم ولا وفاء ، ليس لهم اخاً أو قريب أو حميم ، عندما تصيبك مصيبة أو يحدث لك طارئ ما ، أو تحتاج لهم في شئ ، تبدؤ الحقيقة وتتعرى أواصر الود ، وتبدأ المعاذير في الظهور ، حتي أصبح الأنسان مصاب بالأمراض العصبية.
هكذا أبو بدران يتذمر من الحياة ويندب حظه الشقي ، إذ أن الناس ذا أشكال واختافات في الأراء والأفكار ، منهم المتفأل الناظر إلى الدنيا نظرة سعادة وسرور ، ومنهم المتشائم الناظر اليها بالنظرة السلبية ، والكل له وجة نظره الخاصة ، ومعياره الخاص الذي يقيس به الأشياء والأشخاص الذين يحيطون به ، وكم من نظرات سريعة ذات طابع متفائل أزاحت بصاحبها إلى الهاوية من حيث لا يدري ، وكم من نظرة متفائلة جلبت إلى صاحبها الشقاء والهموم تتراكم عليه وهو في غناء عنها .
اما أبو بدران فهو من الذين دائماً ينظرون إلى الدنيا بنظرة المتشائم ، ومن الذين يتذمرون من الدنيا ومشاكلها ، فغلب عليه هذا الطابع ، حتى سماه صديقه البسّام الضاحك ، بالشاكي الباكي ، يقول ابو بدران :<< أحزان عمري تتجمع علي ، أحاول الفرار منها ، تلاحقني فلا تتركني ، أبكي فابكي فازداد حزناً ، الحظ السئ صنع مني فتىً جلداً وعلمني التعود على الشدائد >> .
نهاية الفصل السابع