الخميس، مارس 17، 2011

مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب - الرسالة الخامسة


مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب
الرسالة الخامسة
28-06-1996
إلى من هو عنوان رسالتي
 الى المغترب...
تحية عطرة معطرة بازكى روائح الورد، وتحية طيبة أهديها لك مع نسمات بحرالاندلس العليلة ...
في الحقيقة لا أعرف بماذا ابدأ لاني خجلانة من تصرفي هذا، فبعد طول من الانقطاع، كان السبب أنا طبعاً لآني لم أبعث الرسالة بنفسي واعتمدت على أختي وهذه الاخيرة نسيت، وظننت بإن الرسالة وصلتك، وبدأت في إنتظار ردك، لكن البارحة وأنا أجمع كتبي رايت الرسالة، وما أدهشني أنها لك، ولكن الحمد لله، أنني وجدتها، وألاّ فسأظل أنتظر بدون جدوى.
صديقي المغترب فعلاً أنني جداً أسفة، وأسفة كثير على تصرفي غير اللبق وارجو المعذرة.
صديقي المغترب أوجه لك شكري الكبير على عرضك لي للضيافة فعلاً أمنيتي زيارة بلدك ولكن المشاكل في التاشيرة (Visa) فهي صعبة المنال، فيجب أن ابعث للقنصلية في بلدك الذي تقيم فية، وهذا أن قبلت، لكن ساحاول جاهدة حتى احصل عليها هذه المرة ليس لاني أريد رؤية بلدك فحسب بل لأرى هذا الشخص الذي أكتب له دون رؤيته أو بالاحرى لأكشف القناع عن صاحب الظل الطويل، فعلاً فأنت بالنسبة لي ظل طويل، فكلما أحسست بشي يرهقني أو مشكلة تجدني أكتب لك أو أعد رسائلك، طبعاً لانك صديقي الوحيد.
صديقي المغترب: انني أكتب لك هذه الرسالة في جو هادئ جميل من شاطئ البحر (بحر الاندلس) برفقة أخي واختي بعد ما انهيت من جو الدراسة ولم تبقى الاّ النتائج وغداً سيكون يوم النقاط، فأنا جدأ خائقة لهذا اليوم، كما أنني أجد فرحة لآن بالامس تمت الخطوبة لاخي، والزفاف سيكون في شهر أوت (أغسطس، آب) إن شاء الله، وهذه المرة انا من يعرضك للزفاف لتتعرف على تقاليدنا وعلى مدينتنا ولترى صديقتك ليلى طبعاً، أتمنى من كل قلبي أن تكون امورك موفقة حتى تستطيع المجيء إن شاء الله.
اما بما يخص صورتي فلك هذه الصورة

 وساعدك بإن ابعث لك صورة أخرى في هذا الصيف، كما أتمنى أن تبعث لي أنت كذلك بصورة لك إن كان ممكن. وفيما يخص المراسلة فأرجو ان تراسلني على العنوان الاول لان السنة الدراسية انتهت، وساكون في البيت بتداء من 02-07-96. أما أسئلتي هذه المرة ستكون عن صحتك واحوالك والباقي هو عندك.
في الرسالة السابقة لي لم تجبني عن اي سؤال.
وفي الاخير تقبل مني فائق احتراماتي وتحياتي لك والى كل من حولك.
                                                                        ودمت لصديقتك ليلى
الرد على الرسالة الخامسة 
18-10-1996
الآنسة ليلى العزيزة
تحية واشواق حارة أزفها مع هذه الرسالة راحياً ان تصلك وانت في أجمل الاوقات.
وبعد: يسرني ان ارد على رسالتك المؤرخة 28-06-1996 والتي استلمتها في اول اسبوع من شهر 9، وبعد رجوعي من بلدي الاصلي حيث كنت في زيارة للاهل، والتي كانت مسجلة وبداخلها صورتك التي قد سررت بها للغاية.
وايضاً قد علمت أنك قد أتصلتي بي مرتين ولم أكن موجود لسؤ الحظ، في المرة الاولى لقد ذكرتي انك سوف تتصلي في صباح اليوم التالي فأستنظرت مكالمتكي ولكنكي لم تتصلي بي في ذلك اليوم، مما دعاني لمراجعة كل رسائلكي علّي أجد رقم هاتفكي حتى اتصل بكي ولكني لم اعثر على شئ، ثم أتصلتي في يوم آخر حيث لم أكم موجود ايضاً، فارجو منك في المستقبل اذا أتصلتي ولم تجدينني أن تحددي لي وقت معين تتصلي فية حتى استنظرك أو ان تتركي لي رقم تلفونكي والوقت الذي اتصل بك فيه.
عزيزتي ليلى:
كم أنا مسرور برسالتكي التي ارسلتيها لي وكم كانت لي مفاجئة تلك الهدية التي بداخلها، حقاً أنك جملة جداً، طبعاً كما وعدك سوف ارسل لك صورتي مع هذه الرسالة.

ولا يفوتني أن أهنئك بزفاف اخوكي ولو أنه متأخر جداُ ألف مبروك.
أعتذر لكي جداً على تأخري عليكي بالرد أولاً لاني لم اكن موجود في الصيف حيث استلمتها متأخراً ثم بعد ان استلمتها كنت مشغول جداً في أمور خاصة لا داعي لذكرها.
ختاماً تقبلي مني أجمل التحيات والى اللقاء مع رسالة أخرى من طرفك.
                                                               دمتي لصديقكي المغترب
ترقبوا الرسالة السادسة في الايام القادمة

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل التاسع


أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية( - الفصل التاسع
الفصل التاسع
9
حالات غريبة
بدأت عنده ظاهرة الغيرة من الحيوانات المدّللة ومن معيشتها وحياتها التي أصبحت أفضل من حياته .
فذات مرة من المرات، وهو واقف على الطريق مرت به سيارة فخمة ومن مقعدها الخلفي أطل عليه رأس كلب سمين ذو شعر غزير نظر له، بعينين في نظرتهم السخرية والأستعلاء، وكأنه يقول إلى أبي بدران أنظر ليّ أنا أفضل منك حالاً، هذه سيارتي وهذا سائقها خادمي، ينقلني حيث اريد، يطعمني متى أشاء، ليس عندي هموم مثلك، لماذا تنظر لي هكذا؟ أيها الفقير المعدوم، إذ لم تكف نظرك انقضضت عليك، وعضضت ساقيك، ومزقت ثيابك التي عليك، وجعلت المارة يضحكوا عليك، وجعلتك عبرة لمن لا يعتبر، أيها الفقير النذل، فحز ذلك في نفس أبي بدران وانشد يقول :
كلـب قـد أنعم اللـه عليـه بزينة المـركب
وصاحب يكفيه  مؤنة المأكل والمشرب
ونحن نتخبط في مؤنة العيش والمكسب
ضيق الحياة أمر عسير و صعب المطلب
شقاوة ليس منها أو عنها ملاذ أو مهرب
بركان الاحلام الهائمة، تسبح في دماغه، يلهث جابذ النَفْس تلو النَفْس، المصائب والمحن ألوان، الالم النفسي ينشط ويشتد وترتجف منه الاوصال .
هكذا كان أبو بدران في حالات غريبة من التقلبات، كان من الناس الذين يحلوا لهم أن يتغنوا بـأنفسهم، مدحاً أو ذماً، إطراً أو هجاءاً، أو من الذين يثير في نفوسهم منظرهم بالسعادة والفخمة والعظمة، او لاحتقار والازدراء والنبذ .
وأخونا أبو بدران فهو صاحب الرأي والشأن، من الذين يتغزلون بأنفسهم، حتى أنه ذات مرة من الزمان، بعد أن نظر إلى نفسه في المرآة ورأى رأسه قد خف شعره بالتساقط، كأنه أوراق شجرة هزتها رياح الخريف فبدت أغصانها جرداء، تلاطم عنفوان الشتاء، القادم عليها بزمهريره القارص، فهزته تلك المشاعر فقال:
بدأت لعيني جلدة رأسي
والشعر عنها قد أنحاسِ
كأنها مرآة
أو صفحة ماء صافي
هذه ليست المرة الأولى التي يتغزل فيها برأسه إذ سبقتها مرات كثيرة، منها ذات يوم رأى شعر رأسه ظهر فيه الشيب فقال :
أرى القطن أزهر في رأسي    وزحف من الصحراء اتي
هكذا السنين تتلو بعضها بعضاً، تاركة بثقلها على عاتق أبي بدران حتى بدأت شيخوخته قبل شبابه، فعندما أكتمل به المشيب، وأكتسى جل رأسه وعمه الشيب نعاه بقوله :
أبيضت غواربي وعالي الرأس خاوي
اما عن فترة شبابه فحدث ولا حرج قال فيه كثير من الاشعار والاهازيج منها قوله:
في ضحى الشبابِ، حظ تعثر وانسابِ
إلى الحضيضِ، من غير ارتيابِ
ومنها قوله عن عيشه في فترة الشباب:
عشت شبابي بين بؤس وترحال
وبين آلام تذهب بكل آمالي
وحيد اغرد في الكون وَبالي
اما عن ضياع الشباب وهو يتحصر على شبابه فقد قال:
آه وحصرتاه على شباب قد ضاع
بين التمني والآهات و الأوجاع
وبين أحلام الخيال بيوم جميل وسّاع
اما عن حظه في الحياة وتقدمه بالعمر ففيه يقول: << قد بلقت من الكبر عتيا ولم أزل شقيا >> . وجاشت نفسة بالمشاعر وأنشد يقول:
ألا أيها الدهر قد عذبتني
و أظهرت في مفارقي المشيبا
أصبحت من هم الحياة كئيبا
لا صديقاً أناجيه ولا قريباً
رافقني الشؤم وسؤ حظي
لا مفر منه شمالاً ولا جنوباً
تنهد بحسرة ثم قال:
بدأت أنقب عن ذاتي
بين أحزاني وآهاتي
وبدأت الآلام تأتي
دون إلقاء التحياتِ
ثم صمت لحظة وتابع بقوله:
أنا في ربيع العمر لم أقطف أزهاره
ثم أتى صيفي شديد الحرارة
تلته زوابع الخريف سلبني النظارة
فلم يبقر لي في شتاءي سوى الطهارة

اما عن أمآله واحلامه في مجريات ايامه فقال:
طال الأمل و طال الألم
جفت ينابيع الأمل
والقلب لم يعد سوى جرح لم يلتئم
***
 أمل الليالي الخالية وضياع العمر
حزن مزمن لا شفاء منه
أمل الليالي والسنين حصره تلو حصره
حصره عتيقة تنفلت
ثم صمت لحظة وأنشد:
كم زرعت من أماني وأحلام
وطال الزمان وطال المقام
ولم ينبت من زرعي غير أوهام
لكن تتغير نفسيته بين لحظة وآخري فقال مخاطب حاله بهمة عالية:
إذا داهمتك أفكار اليأس
ابكي على نفسك
واجلس على الكرسي
***
يا سيئ الحظ لا تلم إلاّ حظك
مهما طال الزمان كظلك
إن نشدت السعادة يضلك
لكن هذه الحالة من المعنوية العالية لم تدوم طويلاً، فنهارت أعصابه وبداء يبكي على حظه بدموع بللت وجه وهو يقول:
سالت دموعي وبلبلت جفوني
من كثرة همومي زادت شجوني
أين المفر من هذا الدهر؟ الحقوني
سئ حظي وأستعصى على جبيني
لا يريد أن يغادرني طول زماني
ثم انتابته حالة من المعنوية العالية مرة آخرى فقفز بهمة وقال لنفسه وهو يخاطب حاله:
كفكف دموعك كف للحزن شاهراً
مرأى وجهك في هذا الكون رماداً
ثم تراخت همته فرد على نفسه وهو يقول:
هبت رياح البين علي وطالت لياليها
قصفت رعودها وزاد وابلها فسال واديها
سكت برة ثم قال وهو لا زال تحت تأثير معنوياته النفسية المترديه:
اسبح في بحر المئاسى
بدون أحد يؤاسى
***
لا بيت لي ولا وطن
مشردأصابني الوهن
الحياة حولي تفور فتن
ورأسي ملئ بالحزن
عز الشباب قلب طعين
وجسم ناحل وهن
لا بيت لي ولا وطن
مشرد في الكون بين المحن
لله أشكو هذه الفتن
وأدعوه جنة عدن
لكن أبو بدران في حالاته هذ الغريبة يستمر في تقلبات بين مد وجزر فيتعنى في نفسه بقوله:
ليَّ نفسٌ باكيةٌ تئنُ  بكل حادثةٍ تَحِنُ
مما جرى به الزمان و فاض علي وابله بالمحن.
***
وحيد إلا من همومي
أين هي معالم سعادتي؟
بارزة على جفوني
وعندما وصل الى مرحلة الياس من انفراج كابوس الحزن ولم يجد مخرج من مئاسيه تنهد تنهيدة عميقة وقال:
من أين أنْفِذُ من كهوف الحزن؟
إذا سدت في وجهي بكل عنفوان
لكنه مع طول الزمن وتتابع المحن صبح عنده شيء من المناعة، ولم يعد يفرق بين الحزن والفرح، فقال في ذلك:
الفرح والحزن عندي سواء
تُغني النفس ألماً وإعياء
ليس كل أيامي سواء
تقلب مع نفسي دهاء
يوم سرور يتبعه شرور وداء
أبو بدران كلما تقدمت به الحياة للأمام كلما تعقدت في وجه الأمور وتعثرحظه المشئوم، فأنشد ذات يوم :
لا زلت أبحث عنك يا خظي   بين المأسي والآم مهجتي.
لكن المحن تتابع وامور الحياة تجري كما هو مقدر لها، أبو بدران هو بطلها، من عثرة الى عثرة، فتغني يوماً وقال:
تاهت سفينة حياتي وتحطمت أشرعتها
في بحر الكون غرقت، فمن الذي ينجدها؟
تدافع أليها الموج من كل صوب، فأين تجدها؟
روحي تشبثت بالنجاة، فمن الذي يؤازرها؟
إليك ربي دعائي ،دائماً، الله هو الذي ينقذها.
نهاية الفصل التاسع 

الاثنين، فبراير 28، 2011

مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب - الرسالة الرابعة




الرسالة الرابعة
وهران 02-01-1996م
الى من هو عنوان رسالتي
الصديق المغترب
تحية عطرة ابعثها لك مع صوت البلابل والحان الأوتار الشجية بأريج الزهور الفواحة مع الطير المسافر الى مدينتك.
صديقي العزيز المغترب: وصلتني رسالتك التي تحمل كل معاني المودة والصدق، وأتمنى من الله أن تدوم بيننا.
ولا أعلم لماذا أحسست برغبة بداخلي تدفعني للكتابة لك، وها أنا اللبي هذه الرغبة بكتابة هذه الرسالة، فأمسكت بقلمي لأكتب حرفاً ولكن القلم لم يكتف بحرف بل تعدى لكلمة، والكلمة الى سطر و سطور الى رسالتي هذه.
أولاًً لا أدري ماذا أقول لك عن هذا التأخير، لكن أسفة جداً وأعتذر، ولكن المشكلة هو أنني لم أكن بالبيت لحد العطلة (29 ديسمبر) وأسفة مرة ثانية .
عزيزي المغترب: كم يسرني الكتابة اليك وكأنني أتحدث معك وجهاً لوجه، ولا أدري لماذا؟ فلقد كشفت لي عن أشياء كثيراً كانت غامظة بالنسبة لي. فعندما أتضايق أو أواجة مشكلة أجد نفسي أكتب لك بدون شعور. وفعلاً أكتب الرسالة وأود أرسالها لك وهذا مراراً ولكن في الأخير أتراجع وامزقها.
بالنسبة لسؤالك الذي طرحته عن الاشياء التي أحبها والتي أبغضها وكيف أواجة ما أكره. هذا السؤال مهم ولكن طويل ، أنني إذا تطرقت له فأنني أتطرق إلى كل شي في الحياة ، لذا أرجو أن تحدد لي الاشياء كي تكون واضحة.
أما عن حدثيي عن نفسي فأليك المزيد كما طلبت: فأنا فتاة ككل الفتيات التي تعيش سنها بين عالم جميل وواقع مر. أحب كل شيء يجلب الهدوء والسلام، أحب أن أعيش في جو لا يتسع إلاّ للحب والحنان. أعيش في أرجوحة بين الدراسة والحي الجامعي والبيت، فمعظم الاوقات أقضيها في وهران بين الجامعة والحي الجامعي للإقامة، طبعاً الجو جميل جداً، وخاصة البعد عن الأهل علمني أشياء كثيرة جعلتني أنضج واتعلم المسؤولية، وأن أظهر القناع لوجوة ونوايا كثيرة، وجدت في هذا الجو كنز لم أكن أجده حتى وإن بحثت عنه في الدنيا كلها.
تعلمت حب الناس على أشكالهم ومستوياتهم، تعلمت بإن الحب والحنان لا ينبع من الام فقط، كما كنت أظن بل هناك ينابيع كثيرة منها الصديق، والزوج، واناس يحبونك في الخفاء، نعم وجدت نفسي بإني مستعدة لأن أتحمل كل الصعاب لاي جهة اتوجه اليها، لأني أمتحنت نفسي ووجدتها قادرة على التلائم كما يقول المثل ((أذا أردت أستطعت)). هذا عن أجمل واقع واجهتة في عامين في الجامعة.
أما عن تفكيري الشاغل الآن هو: انني اريد ان أكمل دراستي بالخارج بعد إنتهائي للهندسة في الجزائر، ولا أدري أي بلد بالتحديد، المهم هو أنني لا ابقى في الجزائر، اتدري لماذا؟ لا لأني أحب هذا الحال فقط ، ولكن كذلك سبباً في أن ابتعد عن المنزل حتى لا أرى بعيني إنقساماً وانفصال الاخوة وتقسيم تركة رجل افنى حياته من أجل تواصل ما بناه من عمل وحب وصدق ووئام. لا أريد أن أرى بيتنا يتقاسم، لا أريد أن تنهار أسرة شهد لها المجتمع بالأصالة والتقاليد والاتحاد، لا أريد ان أرى الانانية وحب التملك، بعيني، إخواني واخواتي، الذي بداء يظهر، فأنا أريد الابتعاد بنفسي.
أما من جهة القلب فهو خال من كل حس جميل تحسة فتاة في سني اتجاه شاب تراه مناسب لها، ففي حياتي كلها لم لم يدخله أحد وهذا ليس معناه لإنه جاف، لا بالعكس فهو محب ويحتاج لقلب يناسبه لكنه لم يجد المناسب، كما أنني أريد أن أحب مرة واحدة تكون الاولى ولاخيرة، أي من يختار قلبي يكن شريكاً لحياتي للأبد.
هذا كله عني وما أحملة من أماني واذا أردت سؤالي عن أي شيء يخصني فلا تخجل وسأجيبك بكل صراحة.  
أما عن سؤالي أنا فهو أنك تحدثني عن نفسك، وسبب وجودك في الغربة، ولماذا هذه البلد بالذات، ومعيشتك هناك، وعن مدينتك ، عن طموحاتك، عن كل ما يدور حلك، هذا إن أمكن.
بالنسبة لصورتي فساعدك بإنها ستصلك بعد اسبوع من الآن، وهذا وعد مني. كما أطلب منك أن تمنحني أنت أيضاً صورتك إن لم يكن هناك مانع.
وفيما يخص التأخير الذي يحصل مني فسأضع له حد، وهذا بكتابتك لي على العنوان بوهران في كل شهر، ما عدا ايام العطل جوان، جولية، وأت ، دسمبر (حزيران – يونيو، تموز – يليو ، آب – أغسطس، كانون أول - ديسمبر) أي في هذا الشهور تتصل بي في  .... واليك العنوان:  ليلى الجزائرية .
وأخيراً تقبل مني خالص تحياتي واحتراماتي وشكراً لك على مساعدتك، كما أتمنى لك عام سعيد، وكل عام وأنت بخير.
صديقتك ليلى

بطاقة تهنئة  بمناسبة العام الجديد











أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل الثامن


أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية( - الفصل الثامن
الفصل الثامن
تأملات غريب
كان يمشي عاقداً يديه خلف عجزه ، يهبع في مشيته ، وقف بعد أن انهد حيله ، حاول ان يبلع ريقه الذي نشف ، يلملم أفكاره ويجر رجليه بالخيبة ، مشوار العمر ضاع ، مسح دمعة سالت على خده ، هاهي سلسلة طويلة من الأيام واحلام اليقظة، تكبر الهوة بين المعرفة والحقيقة ، أشياء تجلب العزاء ، والفرح للآخرين ، شأن عجيب ، تتمزق نفسه من فرط التأثر ، هاجمه إحساس بالعصبية على نحو مخيف ، هموم صغيرة تكبر ، دنيا زاهرة بالاعاجيبب.
تراوده أفكار وافكار ، هاهي الحياة تفور من حوله ، الناس مندفعون ، طالعون نازلون ، يخبئون احلاماً ومشاريع ، وطموحات وسعادات ، وعلى الشفاه إبتسامات ، وعلى الوجوه علامات السرور والفرح ، واخرون مثله يحملون احباطات واهات وألآم ، يحملون الدنيا كلها فوق اكتافهم ، لكنهم أفضل منه ...  هكذا يبدو له ، أنه هو الوحيد الذي يعاني من جور الدنيا ، وحده بدون مساعد ، غريب في بلاد الغربة ، أو أنه الغريق الذي يتشبث بحشرجاتة الآخيرة في بحر عميق متلاطم الامواج ، يبحث عن النجاة ، عن السعادة والجاه ، يمشي بين الناس لا يعرفهم والكل يعرفه ـ غريب ـ ذو لون مميز ، مخيف الكل يرهبه ، إذا صعد في الحافلة الكل ينظر له ، نظرات خوف لا نظرات إشفاق ، ويكمش حقائبه إلى صدره إذا كانت أنثى ، أو يضع يده على جيبه يتلمس مخفظته إذا كان ذكراً ، أصبح شعاره بينهم بالحرامي ومنظره يوحي إليهم بالنشال ، بالرغم أنه لم يعرف السرقة في حياته ، ـ لكن أذا وجد أجنبي واحد في البلد نشال ، فالفكرة تشمل جميع الأجانب ـ ، الكل يشير له بنظراته أن يبتعد عنه ، أن ينزل من الحافلة ، حتى انه كره صعود الحافلات إلاّ للاضطرار ، وعندما يصعد يكون قد هيئ نفسه ، وأخذ حذره ، واستعد لامتصاص نظرات الازدراء ولاحتقار ، مهما كلفه ذلك من كرامة نفسية ، وهل بقي لنا من كرامة ؟!! . 
زمن أصبح فيه كما أمسى ، مكتئباً يبكي على شجنه ، على غربته ، أنهار من الدمع ، عاش مكروب ، أستحوذت عليه الكآبة المستعصية ، فعقدت عليه حبالها ، فأشتهر في حياته بتالاحق المحن ، ومعايشة الألم ، والأنغماس في الكآبة ، فضاع عمره ، من قلق إلى خوف إلى قلق ، القسوة على النفس والغوص في الذات ، بما فيها من إيحاءات ، يتعرض من خلالها إلى تحورات تحليلية، إلى نسق ، لحظة من شوق ، نوع من الألتئام ، فيض هائل من الحوال ، أحلام هائلة تُنشط مركز المخ ، فتجعله في أعلى حالات نشاطه ، بذبذبات عالية متوالية ذات أغوار عميقة ، ودروب ملتوية تتخلل في عالم المجهول ، حالات مختلفة الفنون، في أفاق الخيال الذي لا حدود له .
كانت العناصر الطيبة والسعيدة داخله تجول بغير نظام ، الناس من حوله يعرفوا كيف يمتعوا أنفسهم ، كان من الممكن أن ينظم اليهم وأن يسير في ركبهم ، وان يكتسب حق الوجود في هذه الحياة ، لكن جذوره الطاهرة تأبى عليه الانزلاق في أوحال الرذيلة ، عندما يحاول أن ينزلق يتدارك بغشاوة أمام عينيه وبشي يبعده بعيداً ، محروس بفضل الله وبدعاء الوالدين ، لم تكن سوى جذوره التي نبتت في المكان الطيب ، او روحه التي تحب العفاف تحاول ان تجمح نزواته.
إيمان لا يتزعزع ، لا يهتز ، ولا يتسلل إليه الشك ، أو الضعف ، عندما تهب عليه أعاصير الأحباط وترك الثقة بالنفس تتبدد الأنوار أمام عينيه باللامبالاة ، ويسود الأعتقاد الثابت ، الذي لا تهزه الرياح ، لآن القلب يستقرق فيه ، يتصور أمور لا تدرك ، يغتم حيناً والغم والألم يستيلاء عليه ، ألمه المفرط ، الصور الجميلة الباطنية التي لا يدركها سوى العقل . هكذا سبق قضاء الله وقدره ، فمتحن بالوحدة والانفراد والغربة والتشرد والفقر وانعدام الحال الذي عليه طال الحال .
مهما طال به المقام في دقة الملاحظة ، ومهما أرخى لفكره العنان واليقظة المتناهية والوعي العميق ، للبحث عن مكان للخروج من هذا الحظ المنحوس ، او الحظ المثبور على مدى الدهور والعصور فلن يصل إلى قرار .
يحاول أن يجد شئ يلوذ إليه ويحتمي به ، يأتيه الصدى التعس ، يتفقد أحواله ليل نهار الطريق طويل وشاق ، لا سبيل للخروج من هذه المصيببة إلاّ بالصبر وبالشعور بالبهجة ولو ان في القلب غصة ، لا يكفي تعذيب النفس والتخيل والأستقراق في الخواطر الغامضة ، وحيداً لكن احلامه واحزانه يشاركنهه بإبتسامة بائسة تغور قبل الوصول إلى الشفتين .
حالة الفرح تجول داخله لكنها لا تجد المخرج ، فتعود مرتدة ، متخذة دور الرياح الجافة ، لكنها أحياناً في بعض المناسبات تجد بعض الثغور تنفذ منها ، فتظهر على شكل إبتسامات ، أو تظهر على الوجه بعض علامات السرور ، احياناً الشعور بالسعادة يسري منه مسرى الدم ، فيبقيه كأنه مخمور.
احياناً أبو بدران يضع نفسه في موقع المتفائل للحياة ، يتخيل مستقبله ، أو حاضره ، بالنظرة المتفائلة ، وينظر إلى الدنيا بنظرة سعادة وارتياح ، ويقول إنما المشاكل سوى سحابة صيف زائلة ، ويمني نفسه ويعللها بانواع السعادة والهناء والحنان ، فلا يفيق من أحلامه إلاّ على الحياة بواقعها المر ، وهي تصدمه بالامور الواقعية ، ومجريات الساعة ، وبالمشكلات اليومية ، التي ليس منها مهرب ، فوقف حائراً ، بعد ان فاق من خياله ، وتنهد بزفرة وقال :
كم بنينا من قصورٍ عاليات   بالخيال والأوهام عامرات
حالات الأغتراب الطويل والصبر على المصائب من علامات تقوية الشخصية ،  الزمن يمر كالسهم مندفعاً للأمام ، علامات الألم على الجبين ، حيرة إبتسامة حزينة ، الشعيرات البيضاء التي تزين الرأس في إزدياد مستمر ، سنوات تضاف للعمر .
اما مكان نوم الأحزان فلا يليق لها إلاّ بين جفنيه، أصبح وحيداً ، القلق والضجر ولانفراد مسيطرات عليه ، المستقبل الغامض ، لا يرى خلفه إلاّ زوابع مليئة بالعواصف والضباب تحثه على الجري امامها ، ومن امامه لا يرى سوى مستقبل مظلم لا تبدؤ في سماءه سوى سحب داكنة ليس فيها أي برق يببشر بخير ، ينزلق بحزنه إلى اعماق الهاوية ، من وجهه تبدؤ سواء  مجرد عينين حزينتين غائرتين في الأعماق ، تجمعان كل نظرات الأحزان الموجودة في الكون ، هذا الحزن الذي أصبح زوج لحياته لا يريد أن يطلقها ، يمضي الليل بدون نوم من الغضب والألم النفسي .
شعور شاذ غريب لا يستطيع فهم نفسه ، متقلب المزاج ، هكذا شاءت الأقدار أن ينسج اماله كيفما يشاء له فكره ، يزداد حزنه ، يشعر بالأسى النفسي يمزقه ، تقلبات لحظه مستمرة ، ودائماً في صفوف الحضيض ، تظهر من عينيه نظرات الغضب .
لايعرف كيف يمنح نفسه الابتسامة ، ان الحياة بكاهلها القت عليه المشقة . الموهبة التي كانت عنده قد امست في خبر امسى او كان او ظل ، موهبته نحو الحياة تظهر على شكل علامات اصفرار و شحوب و عبوس في صفحات وجهه الذي بداء بالذوبان . يتخيل نفسه جالس مرتاح البال في بيت هادئ وامامة كاس شاي أو فنجال قهوة يحتسيه بنشوة وسعادة ، بعيداً عن الاحساس الحزين الذي ترعرع في أغوار نفسه ، او السخط والنقمة التي في نفسه.
بدا يبحث عن  نفسه في المرآة ، وقف امامها يحدق فيها ، بتأمل تفسه ، هل هو الماثل امام نفسه ، أم لا ؟ لا يرف ، لم يصدق ما رأته عينية ،  بالرغم من أنه لازال شاباً لكنه بدأت علية علامات الشيخوخة ، تساقط نصف شعر رأسه ، والذي بقي قد غزاه الشيب .
 هكذا يتألم طوال الوقت ، انه لم يعد يتحمل التعب النفسي ، عصبي المزاج. ثم بدأت تلاحقه نوبات عصبية ومشاعر غريبة ثائرة بين الفينة والاخرى ، بدون سابق إنذار ، يختلط الواقع بالخيال والامال بالاحباط ، والحلم بالواقع . كابوس الحياة الذي اصبح هوالمسيطر ، او هو الحياة التي اصبحت حلم .
قلق يخطو خطواته ، القلق حط عليه أو ارخي سدوله عليه ، حتى مع البشر لم يكن له حظ ، عندما يحاول عبثاً أن يجد صديقاً متجانس معه ، عند ذلك سيفقد موهبته ، لصنع روابط الحب والصداقة ، الشعور بالوحدة بين الأخرين ، شقاء مع شقاء ، الخوف من المستقبل ، هواجس ، تمنيات شخصية ، رغبات تجعل الحلم هو المحرك الأساسي للعقل ، لا سبيل إلى إقتحام خلوته واجباره على الخروج من هذه المتاهه ، لحضات حرجة ناعمة ودقيقة تبدأ بدبيب مخترقة مسامات وجدران جلده تغوص في أغوار جسده ، إرتعاشات تشتعل في كل كيانه ، نيران القلق تمتزج بأطياف أفكاره مكونة قوة خيال جامحة تسيطر على تفكير عقله .
بدأ يشعر بالدهشة وبإحساس شديد بالتعب ، فلم يفق إلاّ عندما تعثرت قدماه ووقع على وجهه.
نهاية الفصل الثامن