الاثنين، فبراير 28، 2011

مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب - الرسالة الرابعة




الرسالة الرابعة
وهران 02-01-1996م
الى من هو عنوان رسالتي
الصديق المغترب
تحية عطرة ابعثها لك مع صوت البلابل والحان الأوتار الشجية بأريج الزهور الفواحة مع الطير المسافر الى مدينتك.
صديقي العزيز المغترب: وصلتني رسالتك التي تحمل كل معاني المودة والصدق، وأتمنى من الله أن تدوم بيننا.
ولا أعلم لماذا أحسست برغبة بداخلي تدفعني للكتابة لك، وها أنا اللبي هذه الرغبة بكتابة هذه الرسالة، فأمسكت بقلمي لأكتب حرفاً ولكن القلم لم يكتف بحرف بل تعدى لكلمة، والكلمة الى سطر و سطور الى رسالتي هذه.
أولاًً لا أدري ماذا أقول لك عن هذا التأخير، لكن أسفة جداً وأعتذر، ولكن المشكلة هو أنني لم أكن بالبيت لحد العطلة (29 ديسمبر) وأسفة مرة ثانية .
عزيزي المغترب: كم يسرني الكتابة اليك وكأنني أتحدث معك وجهاً لوجه، ولا أدري لماذا؟ فلقد كشفت لي عن أشياء كثيراً كانت غامظة بالنسبة لي. فعندما أتضايق أو أواجة مشكلة أجد نفسي أكتب لك بدون شعور. وفعلاً أكتب الرسالة وأود أرسالها لك وهذا مراراً ولكن في الأخير أتراجع وامزقها.
بالنسبة لسؤالك الذي طرحته عن الاشياء التي أحبها والتي أبغضها وكيف أواجة ما أكره. هذا السؤال مهم ولكن طويل ، أنني إذا تطرقت له فأنني أتطرق إلى كل شي في الحياة ، لذا أرجو أن تحدد لي الاشياء كي تكون واضحة.
أما عن حدثيي عن نفسي فأليك المزيد كما طلبت: فأنا فتاة ككل الفتيات التي تعيش سنها بين عالم جميل وواقع مر. أحب كل شيء يجلب الهدوء والسلام، أحب أن أعيش في جو لا يتسع إلاّ للحب والحنان. أعيش في أرجوحة بين الدراسة والحي الجامعي والبيت، فمعظم الاوقات أقضيها في وهران بين الجامعة والحي الجامعي للإقامة، طبعاً الجو جميل جداً، وخاصة البعد عن الأهل علمني أشياء كثيرة جعلتني أنضج واتعلم المسؤولية، وأن أظهر القناع لوجوة ونوايا كثيرة، وجدت في هذا الجو كنز لم أكن أجده حتى وإن بحثت عنه في الدنيا كلها.
تعلمت حب الناس على أشكالهم ومستوياتهم، تعلمت بإن الحب والحنان لا ينبع من الام فقط، كما كنت أظن بل هناك ينابيع كثيرة منها الصديق، والزوج، واناس يحبونك في الخفاء، نعم وجدت نفسي بإني مستعدة لأن أتحمل كل الصعاب لاي جهة اتوجه اليها، لأني أمتحنت نفسي ووجدتها قادرة على التلائم كما يقول المثل ((أذا أردت أستطعت)). هذا عن أجمل واقع واجهتة في عامين في الجامعة.
أما عن تفكيري الشاغل الآن هو: انني اريد ان أكمل دراستي بالخارج بعد إنتهائي للهندسة في الجزائر، ولا أدري أي بلد بالتحديد، المهم هو أنني لا ابقى في الجزائر، اتدري لماذا؟ لا لأني أحب هذا الحال فقط ، ولكن كذلك سبباً في أن ابتعد عن المنزل حتى لا أرى بعيني إنقساماً وانفصال الاخوة وتقسيم تركة رجل افنى حياته من أجل تواصل ما بناه من عمل وحب وصدق ووئام. لا أريد أن أرى بيتنا يتقاسم، لا أريد أن تنهار أسرة شهد لها المجتمع بالأصالة والتقاليد والاتحاد، لا أريد ان أرى الانانية وحب التملك، بعيني، إخواني واخواتي، الذي بداء يظهر، فأنا أريد الابتعاد بنفسي.
أما من جهة القلب فهو خال من كل حس جميل تحسة فتاة في سني اتجاه شاب تراه مناسب لها، ففي حياتي كلها لم لم يدخله أحد وهذا ليس معناه لإنه جاف، لا بالعكس فهو محب ويحتاج لقلب يناسبه لكنه لم يجد المناسب، كما أنني أريد أن أحب مرة واحدة تكون الاولى ولاخيرة، أي من يختار قلبي يكن شريكاً لحياتي للأبد.
هذا كله عني وما أحملة من أماني واذا أردت سؤالي عن أي شيء يخصني فلا تخجل وسأجيبك بكل صراحة.  
أما عن سؤالي أنا فهو أنك تحدثني عن نفسك، وسبب وجودك في الغربة، ولماذا هذه البلد بالذات، ومعيشتك هناك، وعن مدينتك ، عن طموحاتك، عن كل ما يدور حلك، هذا إن أمكن.
بالنسبة لصورتي فساعدك بإنها ستصلك بعد اسبوع من الآن، وهذا وعد مني. كما أطلب منك أن تمنحني أنت أيضاً صورتك إن لم يكن هناك مانع.
وفيما يخص التأخير الذي يحصل مني فسأضع له حد، وهذا بكتابتك لي على العنوان بوهران في كل شهر، ما عدا ايام العطل جوان، جولية، وأت ، دسمبر (حزيران – يونيو، تموز – يليو ، آب – أغسطس، كانون أول - ديسمبر) أي في هذا الشهور تتصل بي في  .... واليك العنوان:  ليلى الجزائرية .
وأخيراً تقبل مني خالص تحياتي واحتراماتي وشكراً لك على مساعدتك، كما أتمنى لك عام سعيد، وكل عام وأنت بخير.
صديقتك ليلى

بطاقة تهنئة  بمناسبة العام الجديد











أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل الثامن


أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية( - الفصل الثامن
الفصل الثامن
تأملات غريب
كان يمشي عاقداً يديه خلف عجزه ، يهبع في مشيته ، وقف بعد أن انهد حيله ، حاول ان يبلع ريقه الذي نشف ، يلملم أفكاره ويجر رجليه بالخيبة ، مشوار العمر ضاع ، مسح دمعة سالت على خده ، هاهي سلسلة طويلة من الأيام واحلام اليقظة، تكبر الهوة بين المعرفة والحقيقة ، أشياء تجلب العزاء ، والفرح للآخرين ، شأن عجيب ، تتمزق نفسه من فرط التأثر ، هاجمه إحساس بالعصبية على نحو مخيف ، هموم صغيرة تكبر ، دنيا زاهرة بالاعاجيبب.
تراوده أفكار وافكار ، هاهي الحياة تفور من حوله ، الناس مندفعون ، طالعون نازلون ، يخبئون احلاماً ومشاريع ، وطموحات وسعادات ، وعلى الشفاه إبتسامات ، وعلى الوجوه علامات السرور والفرح ، واخرون مثله يحملون احباطات واهات وألآم ، يحملون الدنيا كلها فوق اكتافهم ، لكنهم أفضل منه ...  هكذا يبدو له ، أنه هو الوحيد الذي يعاني من جور الدنيا ، وحده بدون مساعد ، غريب في بلاد الغربة ، أو أنه الغريق الذي يتشبث بحشرجاتة الآخيرة في بحر عميق متلاطم الامواج ، يبحث عن النجاة ، عن السعادة والجاه ، يمشي بين الناس لا يعرفهم والكل يعرفه ـ غريب ـ ذو لون مميز ، مخيف الكل يرهبه ، إذا صعد في الحافلة الكل ينظر له ، نظرات خوف لا نظرات إشفاق ، ويكمش حقائبه إلى صدره إذا كانت أنثى ، أو يضع يده على جيبه يتلمس مخفظته إذا كان ذكراً ، أصبح شعاره بينهم بالحرامي ومنظره يوحي إليهم بالنشال ، بالرغم أنه لم يعرف السرقة في حياته ، ـ لكن أذا وجد أجنبي واحد في البلد نشال ، فالفكرة تشمل جميع الأجانب ـ ، الكل يشير له بنظراته أن يبتعد عنه ، أن ينزل من الحافلة ، حتى انه كره صعود الحافلات إلاّ للاضطرار ، وعندما يصعد يكون قد هيئ نفسه ، وأخذ حذره ، واستعد لامتصاص نظرات الازدراء ولاحتقار ، مهما كلفه ذلك من كرامة نفسية ، وهل بقي لنا من كرامة ؟!! . 
زمن أصبح فيه كما أمسى ، مكتئباً يبكي على شجنه ، على غربته ، أنهار من الدمع ، عاش مكروب ، أستحوذت عليه الكآبة المستعصية ، فعقدت عليه حبالها ، فأشتهر في حياته بتالاحق المحن ، ومعايشة الألم ، والأنغماس في الكآبة ، فضاع عمره ، من قلق إلى خوف إلى قلق ، القسوة على النفس والغوص في الذات ، بما فيها من إيحاءات ، يتعرض من خلالها إلى تحورات تحليلية، إلى نسق ، لحظة من شوق ، نوع من الألتئام ، فيض هائل من الحوال ، أحلام هائلة تُنشط مركز المخ ، فتجعله في أعلى حالات نشاطه ، بذبذبات عالية متوالية ذات أغوار عميقة ، ودروب ملتوية تتخلل في عالم المجهول ، حالات مختلفة الفنون، في أفاق الخيال الذي لا حدود له .
كانت العناصر الطيبة والسعيدة داخله تجول بغير نظام ، الناس من حوله يعرفوا كيف يمتعوا أنفسهم ، كان من الممكن أن ينظم اليهم وأن يسير في ركبهم ، وان يكتسب حق الوجود في هذه الحياة ، لكن جذوره الطاهرة تأبى عليه الانزلاق في أوحال الرذيلة ، عندما يحاول أن ينزلق يتدارك بغشاوة أمام عينيه وبشي يبعده بعيداً ، محروس بفضل الله وبدعاء الوالدين ، لم تكن سوى جذوره التي نبتت في المكان الطيب ، او روحه التي تحب العفاف تحاول ان تجمح نزواته.
إيمان لا يتزعزع ، لا يهتز ، ولا يتسلل إليه الشك ، أو الضعف ، عندما تهب عليه أعاصير الأحباط وترك الثقة بالنفس تتبدد الأنوار أمام عينيه باللامبالاة ، ويسود الأعتقاد الثابت ، الذي لا تهزه الرياح ، لآن القلب يستقرق فيه ، يتصور أمور لا تدرك ، يغتم حيناً والغم والألم يستيلاء عليه ، ألمه المفرط ، الصور الجميلة الباطنية التي لا يدركها سوى العقل . هكذا سبق قضاء الله وقدره ، فمتحن بالوحدة والانفراد والغربة والتشرد والفقر وانعدام الحال الذي عليه طال الحال .
مهما طال به المقام في دقة الملاحظة ، ومهما أرخى لفكره العنان واليقظة المتناهية والوعي العميق ، للبحث عن مكان للخروج من هذا الحظ المنحوس ، او الحظ المثبور على مدى الدهور والعصور فلن يصل إلى قرار .
يحاول أن يجد شئ يلوذ إليه ويحتمي به ، يأتيه الصدى التعس ، يتفقد أحواله ليل نهار الطريق طويل وشاق ، لا سبيل للخروج من هذه المصيببة إلاّ بالصبر وبالشعور بالبهجة ولو ان في القلب غصة ، لا يكفي تعذيب النفس والتخيل والأستقراق في الخواطر الغامضة ، وحيداً لكن احلامه واحزانه يشاركنهه بإبتسامة بائسة تغور قبل الوصول إلى الشفتين .
حالة الفرح تجول داخله لكنها لا تجد المخرج ، فتعود مرتدة ، متخذة دور الرياح الجافة ، لكنها أحياناً في بعض المناسبات تجد بعض الثغور تنفذ منها ، فتظهر على شكل إبتسامات ، أو تظهر على الوجه بعض علامات السرور ، احياناً الشعور بالسعادة يسري منه مسرى الدم ، فيبقيه كأنه مخمور.
احياناً أبو بدران يضع نفسه في موقع المتفائل للحياة ، يتخيل مستقبله ، أو حاضره ، بالنظرة المتفائلة ، وينظر إلى الدنيا بنظرة سعادة وارتياح ، ويقول إنما المشاكل سوى سحابة صيف زائلة ، ويمني نفسه ويعللها بانواع السعادة والهناء والحنان ، فلا يفيق من أحلامه إلاّ على الحياة بواقعها المر ، وهي تصدمه بالامور الواقعية ، ومجريات الساعة ، وبالمشكلات اليومية ، التي ليس منها مهرب ، فوقف حائراً ، بعد ان فاق من خياله ، وتنهد بزفرة وقال :
كم بنينا من قصورٍ عاليات   بالخيال والأوهام عامرات
حالات الأغتراب الطويل والصبر على المصائب من علامات تقوية الشخصية ،  الزمن يمر كالسهم مندفعاً للأمام ، علامات الألم على الجبين ، حيرة إبتسامة حزينة ، الشعيرات البيضاء التي تزين الرأس في إزدياد مستمر ، سنوات تضاف للعمر .
اما مكان نوم الأحزان فلا يليق لها إلاّ بين جفنيه، أصبح وحيداً ، القلق والضجر ولانفراد مسيطرات عليه ، المستقبل الغامض ، لا يرى خلفه إلاّ زوابع مليئة بالعواصف والضباب تحثه على الجري امامها ، ومن امامه لا يرى سوى مستقبل مظلم لا تبدؤ في سماءه سوى سحب داكنة ليس فيها أي برق يببشر بخير ، ينزلق بحزنه إلى اعماق الهاوية ، من وجهه تبدؤ سواء  مجرد عينين حزينتين غائرتين في الأعماق ، تجمعان كل نظرات الأحزان الموجودة في الكون ، هذا الحزن الذي أصبح زوج لحياته لا يريد أن يطلقها ، يمضي الليل بدون نوم من الغضب والألم النفسي .
شعور شاذ غريب لا يستطيع فهم نفسه ، متقلب المزاج ، هكذا شاءت الأقدار أن ينسج اماله كيفما يشاء له فكره ، يزداد حزنه ، يشعر بالأسى النفسي يمزقه ، تقلبات لحظه مستمرة ، ودائماً في صفوف الحضيض ، تظهر من عينيه نظرات الغضب .
لايعرف كيف يمنح نفسه الابتسامة ، ان الحياة بكاهلها القت عليه المشقة . الموهبة التي كانت عنده قد امست في خبر امسى او كان او ظل ، موهبته نحو الحياة تظهر على شكل علامات اصفرار و شحوب و عبوس في صفحات وجهه الذي بداء بالذوبان . يتخيل نفسه جالس مرتاح البال في بيت هادئ وامامة كاس شاي أو فنجال قهوة يحتسيه بنشوة وسعادة ، بعيداً عن الاحساس الحزين الذي ترعرع في أغوار نفسه ، او السخط والنقمة التي في نفسه.
بدا يبحث عن  نفسه في المرآة ، وقف امامها يحدق فيها ، بتأمل تفسه ، هل هو الماثل امام نفسه ، أم لا ؟ لا يرف ، لم يصدق ما رأته عينية ،  بالرغم من أنه لازال شاباً لكنه بدأت علية علامات الشيخوخة ، تساقط نصف شعر رأسه ، والذي بقي قد غزاه الشيب .
 هكذا يتألم طوال الوقت ، انه لم يعد يتحمل التعب النفسي ، عصبي المزاج. ثم بدأت تلاحقه نوبات عصبية ومشاعر غريبة ثائرة بين الفينة والاخرى ، بدون سابق إنذار ، يختلط الواقع بالخيال والامال بالاحباط ، والحلم بالواقع . كابوس الحياة الذي اصبح هوالمسيطر ، او هو الحياة التي اصبحت حلم .
قلق يخطو خطواته ، القلق حط عليه أو ارخي سدوله عليه ، حتى مع البشر لم يكن له حظ ، عندما يحاول عبثاً أن يجد صديقاً متجانس معه ، عند ذلك سيفقد موهبته ، لصنع روابط الحب والصداقة ، الشعور بالوحدة بين الأخرين ، شقاء مع شقاء ، الخوف من المستقبل ، هواجس ، تمنيات شخصية ، رغبات تجعل الحلم هو المحرك الأساسي للعقل ، لا سبيل إلى إقتحام خلوته واجباره على الخروج من هذه المتاهه ، لحضات حرجة ناعمة ودقيقة تبدأ بدبيب مخترقة مسامات وجدران جلده تغوص في أغوار جسده ، إرتعاشات تشتعل في كل كيانه ، نيران القلق تمتزج بأطياف أفكاره مكونة قوة خيال جامحة تسيطر على تفكير عقله .
بدأ يشعر بالدهشة وبإحساس شديد بالتعب ، فلم يفق إلاّ عندما تعثرت قدماه ووقع على وجهه.
نهاية الفصل الثامن