الاثنين، أغسطس 05، 2013

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) -الفصل الثالث عشر - الاخير-

أبو بدران يبحث عن الآمان  (رواية) 
الفصل الثالث عشر (الاخير)
13 

وجود الامان

أبو بدران وجد الراحة والإطمئنان ، بعد عناء في البحث في عالم الاكوان ، وبعد مرور من الايام و من السنين ، أيام سود محملة بغمام ، وظلمة ، ورعد ، وبرق من كل مكان ، وبعد ان تجرع ويلها وشرب كأس مرها لعدة اعوام ، وعلى مرور من سنوات عجاف كان ابو بدران يحمل على كاهله كل الاحزان.
وجد الامأن بعد ان سبح في بحر الاحزان وخضم الحياة وجور الازمان ، وسار بين الركام والحطام ، والكُتَل المتناثرة في كل مكان ، لازال يكتتل بنارها حتى وصل ... وصل بأمان بفضل الرب الرحمن ، بحفظ من مدبر الاكوان ، الى شاطئ الامان.  أبو بدران وجد الراحة والإطمئنان في احضان الرحمن واصبح يغني بعد العويل الذي كان ... نورك الهادي هدى يهدي سبيل الحائرين    ...   نورك الهادي هدى يهدي سبيل الحائرين
وتارة  يغني  .... 
 نور على نور  .... يامحلا السرور ....   نور على نور  .... يامحلا السرور
وهكذا اكتمل المشوار ووصل ابو بدران الى شط الامان .... وجد الامان في رحاب الرحمن ، ونال الشهادات العالية في العلوم السائدة ، واصبح من الذين يشار اليهم بالبنان ، ذلك البطل الفنان .
وتمثل بقول الشاعر:
 لَا تحسب الْمجد تَمرا أَنْت آكله ... وَلنْ تبلغ الْمجد حَتَّى تلعق الصبرا

وصل ابو بدران على مشارف درب الامان وقال :
 << هكذا المشوار قارب على الانتهاء والفصل على الاكتمال .... >> .

وللوصول الى الراحة والإطمئنان قصة
وقف ذات يوم يتأمل حاله وما الت اليه نفسه، تأمل السنين التي مرت به، تأمل ماحوله من الناس واحولهم، وبدأ يفكر ويفكر .... لا بد من سبب ... لكل شئ سبب ، لا بد من معرفة السبب، وبدأ يفكر ويفكر في السبب، او في اسباب شقاوته.... واستمر في التفكير لحل مشكلته لعدة  أسابيع ... يرسم الخطط ويهندس لحل مشكلته، أليس هو تهندس في بحر الحزان، وتتلمذ على الآلام؟ وهذه مشكلة يجب ان يجد لها حل ، وبدأ يضع الاسباب والمسببات ويرسم الخطط والربط ما بينها ويحلل ويقارن.
واخيرا توصل لنقطة الحل فقال:
<< فإن كان هذا هو قدري الذي كتبه الله سبحانه لي، فلماذا الضجر؟ اذاً ايماني ناقص، فلم أمن بالقدر الذي هو ركن من ارطان الايمان>>
إذاً، كان عنده نقص في فهم القدر وتوحيد الألوهية، أو كان يفهمها فهماً يخالف الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة. فليس هناك ملاذ آمن يلوذ به الإنسان ويحتمي به من ضربات القدر المفاجئة الإّ اللجؤ الى الله.
يقول ابو بدران بعد ان عرف مفتاح حل المشكلة قد أعجبني بيت الشاعر البربري -رحمه الله-
واصبرْ على القدرِ المقْدُور وأرضَ بهِ ... وإنْ أتاكَ بما لا تشتهي القدرُ
ان سوء ظن بالله، وعدم رضى عن الله، يزيد القلب قلقاً وحيرة ويجلب للقلب الاحزان والهموم بعكس الايمان الذي يجلب للقلب الاتزان والطمأنينة والسكينة.
والإيمان ينقص بقدر الجهل الذي في القلب فيتصور حاله خائف وحيران ولا يرى في الوجود وسيلة تضمن له الأمن، ولا ملاذاً يحتمي به من المخاطر والشرور، لانه نسي الله وهذه كانت حقيقة تصور ابو بدران الخائف الحيران.
وعندما عرف السر حصل له الطمأنينة والسكينة في نفسه.
يقول ابو بدران لقد اعجبتني قصة الوليد بن عبادة حيث قال: «دخلت على أبي وهو مريضٌ أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني؛ فلمّا أجلسوه، قال: يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم باللَّه تبارك وتعالى حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم يقول:
" أوّل ما خلق اللَّه القلم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. . . " يا بني إن مِتّ ولست على ذلك دخلت النّار.»
وبدأ ابو بدران يتفكر في تلك القصة ويحللها، إذاً، فالمسلم هداه الله إلى وسيلة تضمن له الأمن والهداية، هي الإيمان، وبها يتبين أهمية التوكل على الله للمؤمن، ومدى أثرها البالغ في طمأنينة القلب القائم على معرفة الله مدبر الكون.
وإذا اطمأن القلب استغنى بالإيمان والعلم المُتلّقى من الوحي، وسكن واستأنس بربه، واشتغل بما يرضيه، فتح له بابُ الرضى عن ربه، والأملَ بمعونته وتوفيقه له في الدنيا، والرضى عليه وإكرامه في الآخرة.
كما أن القلب إذا اطمأن، زال قلقه ومرضه الذي يدفعه إلى الأفكار والوساوس ومصدر المخاوف والأوهام. ان القدر زائد عن الإدراك الذي يتحصل عليه الإنسان بذهنه وذكائه وتخطيطه حتى يتوصل الى السعادة التي ينشدها فيعرف قدر نفسه، لأنهُ عاجزٌ عن معرفةِ المقدورِ، ومستقبل ِما هو حادثٌ، ومن ثمّ يقرُّ الإنسان بعجزهِ وحاجتِه إلى ربِّه تعالى دائمًا فينعكس أثر ذلك الايمان على سلوكه.
أن مصدر الخوف ليس وجود المخاطر والمكروهات المحدقة بالإنسان، وإنما سببه هو الشعور بأنه ليس هناك وسيلة تضمن له السلامة.
نعم وجد ابو بدران الامان وراحة النفس والاطمئنان بذكر الرب الرحمن ، من بعد عواصف وزوابع وامواج تقاذفته من كل مكان ، ومن بعد مد وجزر في بحار الايام ليكتمل فصل البحث عن الامان . وجد الراحة في احضان القران في الصباح مع الاذان ، وفي المساء مع الاذكار ، وبتنزل السكينة في الاسحار من رب الانام ، ما أجمل هذه الايام وهو جالس يتفكر في الاكوان وفي ايات الرحمن ، وفي نفسه ، ((وفي انفسكم افلا تبصرون)) وفي الكون ايات للمؤمنين
وهكذا بعد العناء الطويل ، في تلك السنوات المر العجاف ، عرف ابو بدران طريق السعادة والامان، فبينما هو يقرأ القرآن مر بالآية الكريمة  (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) بداء يكررها وكأنه يقرأها ويسمعها لأول مرة وقال:<< يارب كيف أكون معرض عن ذكرك وانأ أصلي دائماً ، كل هذا الضنك الذي مررت به لأني كنت معرضاً عن ذكرك ، لا بد انني لم افهم هذه الآية، كيف أكون معرضاً ؟ وتذكر انه قرأ آية اخرى  (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) إذاً كان قلبي مقفلاً عن ذكر الله >>.
ثم تأمل حاله وما مر به من مصائب  .... ثم قال:
<< التسلح بالله والتسليم بقضاءه وقدره والثقة به وبما وموعد، وحسن الظن به، قوارب نجاة، تنقض صاحبها من القلق والحزن والخوف إلى برالامان وتتركه يستمتع بالراحة والسكينة النفسية، وتبعد عنه شبح الخوف من المجهول والمستقبل المظلم >>.
الإيمان بالله والصبر على ما جرت به المقادير هي  قوارب النجاه.
النهاية
متمنياً للقارئ الكريم  ان يكون قد استمتع مع ابو بدران  ... وان يتابع قراءة ما ستبدئ به الايام .