الاثنين، يونيو 25، 2012

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل الثاني عشر


أبو بدران يبحث عن الآمان  (رواية) - الفصل الثاني عشر
الفصل الثاني عشر
12
عصر تفتت وشذوذ
هناك ظواهر سلبيية يعاني منها في الحياة ، ربما بدونها ستستقيم الأمور ، ولكن لا بد  للأسباب من الوضوح ، لكن هذا العصر الذي يعيش فيه عصر تفتت وشذوذ .
مر الدهر وانقضى ربيع عمره ، وذبلت أزهاره قبل تفتحها ، لقد ضاع زهر شبابه في أحلام الخيال ، حتي أصيب بالغثيان ، ففر من لوعة إلى لوعة ، حاصرته الدروب ، يحاول إجتياز الحواجز التي وضعت في طريقه ، لم يجد المخرج ، أحلامه غير صالحة للتطبيق .
تتركه الدّعة والمتعة والراحة النفسية والجسدية ، يمضي في مضيق الخيالات ، مساحة بأسه تصغر ، يمضي يتتبعها بخياله ، تصتدم قناعاته بالواقع الذي يوخزه وخزاً، من المحن وهزات الزمن، ويلات تتلو ويلات .
لم يسطع نجم شبابه ، بالرغم أنه قد قام بثورات متعددة على نفسه، وبشكل متكرر لقد أغتصب نفسه، ولم يعطها حقها .
كل النفوس تميل إلى الأموال المقناة أو الطرف المشتهاه ، حتى تتحقق القيم النبيلة فيها ، فالنفس ترغب في الحب وشرف المنزلة العظيمة ، ورخى العيش و ....
لا بد من الادبار والفشل أو الكف عن الرعونة ، أما اليأس والأسف والخوف من المجهول والحضر المرتقب تلك ذرة المأساة  التي تحيل الواقع إلى خيال ، والتعبير عن النفس إلى موجات تتسارع تجسيداً للإحساس الداخلي الذي يريد الإنفلات والتحرر .
أما أن تكون شخص خالي من العاطفة ، جامد الطباع، تعاني من أمراض نفسية، أو أن تكون لك أفكار وعبارات خاصة، الشخص الذي يعيش لتحقيق أهواءه هادي البال ساكن النفس برضى لا يتصور، اما الذي يفكر في المحال يعاني من الحيرة ليل نهار.
انقضى عمره، عدة أعوام مرت عليه، عشرة أعوام مرت عليه، لم يذق فيهن طعم الحياة، لم يزل يعيش في الحضيض، لم يستطع أن يكون كالبشر ، بدون بيت و سيارة، لم يقدر على الزواج ، متقلب المزاج.
مشاهد صغيرة أو غريبة من العاطفة، أو الغيرة، أو غيرها يستمد المتعة منها عند النظر إليها، ترى هل ما يشعر به ناتج عن نقص في الحنان الذي يتوق إليه، او ناتج عن شئ غيره لا يعرفه  ....  لكن يجب ان يتكيف معه، ولو بشكل ساخر، يجد في الانعزال رضى، ويستمتع بواقعه المر .
وقف حائراً فقال منشداً :
زراعة
زرعت الشوق والاحلام في الصحراء
فجف نبع الشوق من وهج السماء
وذبلت  الاحلام  من  قلة  الماء

نهاية الفصل الثاني عشر
ترقبوا الفصل الاخير في الايام القادمة

مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب - الرسالة السابعة



مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب  - الرسالة السابعة

الرسالة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم

يوم 09-01-98
إلى من هو عنوان رسالتي
السيد : المغترب
ان منبع الذكرى ذكراكم == والقلب لن ينساكم
وإن غاب عني رؤياكم == فإني بالمنام القاكم
فلساني وعقلي ... == لا يمل من ذكراكم
عزيزي المغترب
بمناسبة حاول العام الجديد أتقدم إليك باحر التهاني وأطيب الأماني متمنية لك دوام الصحة والعافية، ودمت لـ...ليلى.
مرت سنة 97 بمرها وحلوها، ولكنها كانت بالنسبة لي حلوة، سنة بشرى وخير علينا، أتدري لماذا؟ لأنها أستطاعت أن تزرع في قلبينا نوع جديد من المحبة، فحولتهما الى قلب واحد، الفت بيننا حباً رغم بعد المسافات.  فالذي اتمناه ان تكون 98 خير علينا إن شاء الله.
حبيبي المغترب
لا أدري ماذا أقول لك، فلقد ملكت كل شيء كنت أملكه، وصرت وحدك ملك قلبي، عقلي، كل شيء، فوحدك ملكت فضاءاتي الفارغة، اختصرت مسافاتي الضبابية، زرعت وروداً في دنياي. وحدك حطمت قيود كبريائي ... فأنا توقفت في كذا محطة، وفتشت في كذا عيون رجل، كل مفاتيح قلوبهم في يداي، لكن لم اختر إلا قلب واحد، ذوبني بكل ما فيه، من حب وعطف ورقة، جعلني أسيرة قلبه، لا أفكر ولو للحظة واحدة إلا وهو في ذهني. فأنت الآن صرت حلماً في سمائي البعيدة، لا تطالها يداي، وتطلعت بالحلم الذي يدغدغ هاجسي في كل لحظة، حلمت حتى ملني الحلم، وخاصمني النوم ليالي طويلة.
لقد طلبت مني في الهاتف ان أكتب لك كل شيء يخصني.
فانا فتاة عادية، رشيقة، متفائلة لحد الجنون، طموحة، مثيرة أحياناً. في اوقات الدراسة أمكث بوهران بين الحي الجامعي وسكن أختي، ففي الحي الجامعي لي غرفة أنا وأختي خيرة اومي،  بمثابة قصري الصغير، أحبها كثيراً لصمتها، فأحب الجلوس بها على أن أخرج للخارج، فهي مرتبة كما أحلو، وفيها كل ما أحب، وهناك كذلك مسكن أختي حفيضة، فهي أستاذة علوم شرعية في بوهران، ومن حين لآخر أمكث عندها وخاصة في  week end . معظم دراستي التطبيقية والنظرية بالصباح من السبت الى الاربعاء او بعد ظهر، والخميس والجمعة تجدني مرات أتجول لأشتري لوازم تخصني، وساعات اذهب الى مركز الاعلام الآلي، او أتنزه عند الضيق. أما في هذه الايام سأعود بعد الظهر إلى مواصلة دراستي النظرية لآنه تبقى لي3 مستويات، هذا ان ساعدني الحظ.  
اما في العطل فسأكون بالبيت بين احضان الام واخوتي الاطفال، مرة اتفرج في التلفزيون، الفيديو أو اللعب باللعب (الكلمات المتقاطعة بالفرنسية اسطاقات ... ) أو أقراء في الجريدة.
أصدقائي: لي صديقتين حميمتين جداً الأولى أختي خيرة، والثانية فاطمة وهي تدرس معي بوهران، اما الاولاد، فالعلاقات سطحية مصلحية فهم يعملون وجلهم من الجزائر العاصمة، هناك مصطفى، طبيب، ومهندس كيماء و Capitan  وغيرهم ولكني لا تلاقى معهم الا عند الضرورة أو بالصدفة.
هذا كلة عني، فاذا اردت الأستفسار فانا لك بكل الصراحة.
وفي الأخير تقبل مني احر قبلاتي.
ودمت لليلى

الرد على الرسالة السابعة
الجمعة 16/1/98
على بطاقة معايدة بموسيقى عيد الميلاد وبرسم جميل كتب ما يلي:
الآنسة ليلى الغالية.
يسعدني ان اقدم اليك،
أجمل التهاني واحلى الاماني،
بمناسبة العام الجديد 1998،
وبمناسبة شهر رمضان المبارك،
وايضاً بمناسة 05 فبراير .... طبعاً !!،
أجمل الامنيات بالسعادة والهناء
(( أسمعيني صوتك يا ليلى فأني أتوق شوقاً إليك
فصوتك أصبح زادي وغذاء روحي في يديكِ )).
اكرّر اليك أمنياتي بأجمل ساعات الهناء والسعادة والتوفيق.
وكل عام وأنت بألف خير
المغترب

ترقبوا الرسالة الخاتمة في الايام القادمة

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل الحادي عشر


أبو بدران يبحث عن الآمان ) رواية( - الفصل الحادي عشر
الفصل الحادي عشر
11
ليل غريب
في اليل لايقر له قرار ، لا يهدأ في نومه ، تراوده احلام غريبة ، كوابيس  واضحة ، وغير واضحة ، إذا أستيقظ في نومه ، النوم يولى هارباً ويتركه للضجر ، لايقدر على معاودة النوم مرة آخرى ، يسهر حتي ساعات متأخرة من الليل .
هذه من علامات التعب الفكري والنفسي ، يعاني من متاعب غريبة لم تظهر دقائقها التفصيلية إلاّ عند النوم ، تدفعه الجاذبية اللا شعورية إلى الاختلاف والتكامل تدريجياً في الحرص والحصافة بحيث لاينسى أبداً أن عقله يتمتع بنسبة عالية من الخيال . يقول أبو بدران : << ما كتائب اليأس فانها زحفت  عليّ بمرارات الأبادة ، وقالت الليلة عيدها عندي ، في أعماقي ، في قرار نفسي ، لم أجد صديق يستمع ليّ ، أو ينصت إلى ما أقوله ، لم أجد أحد أتسامر معه ، أحلم عندما أضع جسدي تحت الغطاء ، وهم وخيال ، وابل من الأفكار ، تحولات لا أفهم سرها أو دوافعها ، طموحات ، رغبات ، لم تتحقق ولن تتحقق ، عجزت عن تحقيقها منذ الصغر ، أوراق العمر أصْفرّت ، مرّ عليها الخريف ، لم أنتبه لنفسي ، حالات مع ملامح مختلفة متعاقبة تمتلئ بظواهر اللاوعي ، غوغاء كلها غوغاء .
في دماغي تعترك الأفكار ، تحاول الخروج ، تحاول أن تتبلور في فكرة ما ، لتستقر في شكل ما إذا شاء الله لها التحقيق ، لكن تلك الأفكار والمشاعر التي تأتيني عندما اوي إلى فراشي ، فليس لها تحقيق ، تلك الأفكار أهندسها ، أفرطها خرزاً ثم أعيد تلضيمها من جديد ، يمر الوقت وأنا ساهراً أعيد ترتيببها ، لكني عندما أفيق لم أجد شئ مما بنيت ، أحياناً لم أجد المخرج من متاهاتي التي نسجتها ، كيف بدأت نسجها لا أعرف ، لكني أتمنى  أن احقق القليل منها ولومرّة واحدة في العمر .
نفسي تحمل في ثناياها اتعاب الحياة بكاملها ، بائس القلب حزين ، القي بنفسي على فراشي اجأر بتعاستي أحياناً بصوت مسموع ، أرى نفسي ضحية العاطفة المفقودة ، أحاول أن اتغلب على نزواتي الضعيفة ، أن أبدؤ في حالة  هدؤ نفسي أو مزاج رائق ، لكن يستمد بي الشعور بالأرهاق إلى درجة اليأس .
عندما اتململ في فراشي تصدر عن غطأي حفيف خافت ، أحاول أن لا أتحرك حتى لا أزعج الذي يقاسمني الغرفة ، أضل أصارع النعاس لفترة طويلة .
كان هناك صراع طويل يدور في صدري ، ربما تمر ليلات وليلات في عالم الخيال والوهم >> .
سهر لايحدث إلاّ من كثرة الهموم والواردات عليه ، حيرة الفكر وبحار التعب لا تدعه ، حالات مزاجية كثيرة ومتنوعة ، الأيمان ، الحب ، الجمال ، الأستجابات العاطفية لروح الظامئة ، العزاء ، الإحساس بالعطف .
عندما ينظر حوله يرى مهيجات للشبق ، شبق جنسي ، أليس التعبير عن الشبق هو إثبات للذات الشخصية ؟ ، تجسيد للأحساس الداخلي؟ ، حتى في الفراش ، من أين تهب الريح ؟ .
ربما أنه عندما يأوي إلى فراشه لينام يرخي لخياله العنان ، يتصفح في الوجوه التي أثارت فيه الغرائز والشهوات خلال النهار ، تلك الرغبات الجنسية المكبوتة ، الكامنة في جسمه ، لا سبيل إلى التعبير عنها أو اشباعها ، يتذكر واقعة المر ثم تنفجر منه الدموع تطارد بعضها بعضاً على وجنتيه ، حزيناً مكتئباً ، ثم يترك لطبعه العنان ، يعيش بغصته ، شهقات روحه تختنق  ، يمضي الليل بدون نوم من الغضب والألم النفسي ، ولكنه ينام  بعد ان يجهده الارق بحزنه وحيداً بعد أن خيمت عليه الكآبة .
نهاية الفصل الحادي عشر

مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب - الرسالة السادسة



مراسلات ليلى الجزائرية مع مغترب  - الرسالة السادسة


الرسالة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى من هو عنوان رسالتي
السيد : المغترب
تحية مليئة بالورود والود، تحية محملة بارق المعاني الصادقة أرسلها اليك من صميم قلبي متمنيا من الله ان تصلك وانت تنعم بوافر الصحة وفي قمة السعادة والسرور. كما يسعدني مع اطلالة شمس العام الجديد ان اتقدم اليك والى كافة الاهل بأطيب التهاني والتمنيات راجية من الله القدير ان تكون سنة خير وبركة على الجميع وان تتحقق كل للاماني والاحلام ويعم الخير والسلام على ارضنا الطيبة، كما اتمنى من الله ان ينجحك في المسابقة وهذا ما اتمناه في هذه السنة لك.
وفي الاخير تقبل احر تحياتي ودمت
ليلى
بطاقة تهنئة


الرد على الرسالة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم
يوم 13-10-1997
إلى من هي عنوان رسالتي
إلى الآنسة الغالية ليلى العزيزة
تحية واشواق حارة نابعة من القلب، تحية عطرة برائحة الورد والزهور التي تفوح عطراً، تحية اخلاص ومحبة أزفها من اعماق قلبي مع هذه الرسالة راحياً من المولى ان تصلك وانت في أجمل الاوقات واحلى الاماني وتمام من وافر الصحة والسعادة.
وبعد:
لا أعرف كيف أبدأ رسالتي ... كيف اشكرك وماذا سأقول عبر هذه السطور القليلة، فمهما كتبت سأكون عاجزًا عن التعبير، ففي نفسي اشياء كثيرة اريد ان اقولها، اليك القليل منها:
بالرغم من انقطاع الرسائل بيننا لكنا لازلنا على اتصال مع بعض، والفضل يعود في ذلك للهاتف، لكن الهاتف لا يغني عن الرسائل، ففيه اشياء يحسن التعبير عنها بالكتابة، لذلك أكتب لك هذه الرسالة، متمنيا أن تصلك وانت في اسعد الاوقات.
عزيزتي ليلى:
كم انا مسرور بمكالمتك وكم كانت لي مفاجئة تلك المكالمة التي نقلتني الى عالم السعادة، حقاً انك جميلة جداً، كما قلت لك في رسائل سابقة ان الجمال الخُلقي عندي يفوق الجمال الخَلقي.
لا أعرف كيف اصف لك حالتي عندما أسمع صوتك الجميل عبر الهاتف، تلك الكلمات التي تخرج من فيك تجعلني اعيش في جو من السعادة لا استطيع أن أصفها مهما عبرت من فصيح الكلام، كم انا سعيد عندما أسمعك، ربما تكون حالتي هي بداية لحالة شبيهة بحالة إمرء القيس عندما قال:
تعلق قلبي طفلة عربية     تنعم بالديباج والحلي والحلل
لقد راجعت قراءة كل رسائلك فوجدت ان فيه تقارب بيننا في الافكار وان فيه أشياء كثيرة بيننا مشتركة، فبرغم من أنني لم اشاهدك ففي نفسي دافع نحوك، فالصورة التي أرسلتيها لي كانت صغيرة وبالابيض والاسود لا تعكس كل ملامحك لكنها أعطتني بعض من ملامح التي تكونت في ذاكرتي، أرجو أن تزوديني بصورة جديدة، هذا بعض من مشاعري نحوك فما هي مشاعرك أنت؟.
ختاماً تقبلي مني أجمل التحيات والى اللقاء مع رسالة اخرى من طرفكي.
دمتي لصديقكي المغترب
ترقبوا الرسالة السابعة في الايام القادمة


أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية)- الفصل العاشر


أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية(- الفصل العاشر
الفصل العاشر
10
البحث في عالم الجن والجان
أبو بدران دخل في عالم الجن والجان ، يبحث عن اللؤلؤ والمرجان ، قال له طبيب الزمان ، ذات مرة من الاوان ، لا بد من النسوان ، راحة للقلب والأطمئنان ، عندهن جمال فتّان ، وقوام كالغزلان ، لاتبتعد عنهن وتكن جبان ، وأنت بطل من الشجعان ، لايغرك ما تراه منهن وهن في لاحضان ، هذا من عادات الشعوب والبلدان ، أيها البطل الفنان .
قال أبو بدران يرد على طبيب الزمان ، بقلب مجروح من جور اليالي والحرمان : << لا أستطيع الصبر ولا السلوان ، ولاأطيق ما تراه العينان ، أين المخرج يا طبيب الزمان ؟ >>.   
قال طبيب الزمان ، عليك بالمغامرة وخوض المعارك بحسن اللسان ، والتلطف للحسان ، حتى تكسب ودهن ، ونظرات الغزلان ، وإلاّ أصبحت محروم على طوال الزمان ، وقلبك يتقطع حصرات وأنت غلبان ، ابدأ البحث من الآن .
وهكذا انطلق في البحث عن نصف نفس آخرى ، يتصفح الوجوه ، يتأمل الناس الذين يجوبون الشارع ، يبحث عن نصف نفسه الآخرى لتكملها لترجع اليها في اوقات الشدة ، تجد عندها الراحة والأطمئنان ، نظرة عطف وحنان ، كلمة ود تريحها من متاعب الدنيا التي واجهتها خلال النهار ، تريحها من الأفكار التي تخمرت في فكر ه.
يتصور الحسن والجمال ، مستعرض الوجوه التي تمر به والحسان ، او التي تصادفه خلال النهار ، يبحث عن غاية الجمال ، عن معنى الحسن ، إمتداد القامة ، إمتزاج البياض بالحمرة للخد ، الصوت الحسن ، ذالك الصوت الذي يخرج من بين الشفاه الصغيرة الذي تستلذ الأذن بالأستماع اليه عند الكلام ، تلك النبرات المؤسقية التي تخرج من ذلك الثغر فلا تسأل عنها ، يقوا عنها شعراً :
أول الكلمات
في هذه النغمات توجد همسات
اولها نبع شوق بعناء آت
طار عبر الفضاء بجروح وانّـآت
ممطر على الدنيا زفرات وآهآت
هذه النغمات قاسيات محرقات ناعمات
يزيدها الابتسام جمال على جمال ، الجمال النفسي ، العقل ، العفة ، لا تدرك حصول اللذه إلاّ عند إدراك حسنها.
كان في حالة إحباط تام وهو يمشي في الشارع يتفحص الوجوه ، يقول : << كان وجهي تبدؤ عليه علامات القلق والحزن ، مكتئباً وقفت في حالة إرتباك ، أتصفح الوجوه ، أبحث عن وجه يشع منه بعض الحنان نحوي ، كنت متلهف على صديق ينصت ليّ في هدوء ، احتاج إلى من يجلب العزاء والراحة ليّ ، إلى شخص أستطيع أن أضع رأسي في حجره ، أو على صدره ، في لحظات اليأس والانقباض ، لكن تمر الوجوه ، وابقى مهجوراً تعيساً ، عاجز عن أن أجد مكان للراحة الجسدية أو النفسية ، الواقع اصابني بمرارة شديدة >> .
هذا البحث يطول به ، يغيب في عالم اللاوعي ، يتمنى من تشارك نفسه ، ان يقتسموا الحرفين بينهما ، يأخذ الحاء ويعطيها الباء والشدة  تكون جسر الملتقى ، لكن الظاهر أنه لم يكن له حظ في الحب ، الناس يتكلمون من حوله عن اسرار الحب ، عن النساء ، يسمع ذلك ويشاهده بعينيه .
الحب نموذج جميل وفريد للتعبير عن الجهود المشتركة ، يغمض عينيه ويتمنى شريكة حياته يحاول إحضار صورتها التي رسمها لها في مخيلته ، تلك التي مرت من امامه قبل لحظات لا ...  تلك الجميلة ذات العيون الخضراء لا ...  يجب ان تكون اجمل واحدة على وجه الارض ...  لا يقدر أن يتذكر ملامحها جيداً في مخيلته ، من كثر ما يغيرها بين الفينة والآخرى عندما يرى اجمل منها ، لها قوام جميل  ...  نعم  ...  نعم  ...  نعم .
كل شي أصابه التغيير حتى ذاكرته بدأ عليها التغيير ،  ليست على الصورة التي رسمها لها في ذاكرته ، في كل مرة تتغير صورتها تتأكل من الذاكرة كانّ قد اتى عليها فيرس كما يقال في عالم الكمبيوتر ، لكن تلك الملامح الأساسية لا تتغير لازالت عالقة بالذاكرة ، يقول عن ذلك شعراً :
وهم
سأفتح أشرعتي وابحر
بحر الحياة طويل واصفر
انني كنت في الوهم اتمرمر
عندما اعتقدت بحب الأسمر
لكن خاب ظني وقصّر
تقاوم تلك التشويشات التي تطرى على مراكز الحفظ ، شابة جميلة ، رائعة مثيرة ، قوام جميل ، وحسن فتّان .
يشتاق إلى ذلك الحنان ، ذلك النبع الذي فيه يجد نفسه ، يجد التوازن والحياة الكريمة ، لكنه لم يظفر به ، كلما يترأى له ، ويتخيل أنه سيمسكه ، يفرّ من أمامي كأنه حصان جامح أنفلت من قيوده ، وغدا يرمح بفرح وسرور ، وصوت صهيله يجلجل السكون ، فيتركه خلفه يتجرع حسرته .
لكنه جعل كل شي يبدؤ بعيداً خيالياً ليس بواقع ، فتمثل بقول الشاعر (مسلم بن الوليد الأنصاري):
بلى رُبّما وكّلت عيني بنظرة    إليها تزيد القلب خبلاً على خبل
حيث أنّه يسى ويضيق صدره ، تطرى عليه حالة يسى منها عندما يرى اثنين مع بعضهم البعض ، يداهم متشابكة ، او احدهم مائل برأسه على صدر الآخر ، ام هم في عناق ابدي ، يشعر شعور أنّه غريب ، يتأمل ذلك الجمال الذي ليس له فيه نصيب ، يتأمل تلك المشاهد التي ليس له فيها حظ، ذلك الجمال يشعره برغبة في أظار عاطفته ، تلك المناظر تشعره برغبة غريبة ، يثير فيه مزيجاً كيماوياً من الرغبات والعواطف والتركيبات النفسية ، إيحاءت غامضة ، لم تكن له خبرة بالبشر أو بالأحرى بالجنس الآخر ، كثيرون في هذه الحياة ليس لهم وزن أو قيمة  بدون الروابط الانسانية.
لم يجد من يرتمي في حضنه أو يحتضنه ، يكفي إمرأة واحدة يعشقها حتى يعود متزناً ، يجد معها السكينة ، بدل اؤلائك الذين يعيشون معه ، الذين لايفهمونه ولا يفهمهم .
افاق من خياله عندما رأى زوج تشابكت ايديهم ، يمشيان متلاسقين، أرخى كفها واحاط خسرها  بذراعه، فمالت برأسها علي كتفه ، يتهامسان ، قال في نفسه متى أجد نفسي الثانية ، هذا مستحيل مستحيل واطلقها بصوت عال ، فالتفتا إليه وقالا هذا مجنون .
نهاية الفصل العاشر