السبت، نوفمبر 20، 2010

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل السادس

أبو بدران يبحث عن الآمان )رواية( - الفصل السادس
الفصل السادس
6
اعترافات طالب علم
تظهر من عينيه نظرات الغضب ، إلى كل من يجاوره على طاولة الدراسة ، عندما يتهامس الذين يحيطون به أو الذين يشاركونه الجلوس عليها ، هذه الهمسات تدخل مخيلته من باب النشاز والعواء والأنين ، تنعكس في داخله ، تنقسم بهجتة وسط سطور الكتاب الذي أمامه ، تظهر على عينيه نظرات الغضب تتصاعد لتزعج  كل من يجاوره ، يكرس نفسه شهوراً طويلة عديمة الجدوى من العذاب ، عندما يكتشف نفسه في الأمتحان انه لم يكن يفهم شئ ، يجتهد إجتهاداً شديداً ، ولكن من المؤسف أن ذلك لم يدم طويلاً فينخفض إنخفاضاً مباغت .
يقول  : << أنا لا أعرف نفسي حق المعرفة ، تراخ في مجهودي ، إستهتار بمظهري وملبسي >> .
عندما يأتيه طالب علم جديد لا يعرف النظام ، ويستهزئ به ، يتفاخر ذلك الجديد بنفسه ، يصمت ثم قول في نفسه : << أنا وأنت والزمن ، سيعلم من سيصمد ومن سيفشل >> .
مخاوف وأفكار معذبة ، متناثرة ، شعور بالخوف ، إحساس بالفشل والخزي والعار ، كان في حالة إحباط تام .
يقول : << كنت ضمن االتلأميذ ألأوائل في الفصل ، وظل الأمر كذلك حتى بدأت تلك المشاكل التي لا بد منها ، وان طال الزمن ، أن يخوضها كل من يريد أن يصبح رجلاً >> . 
يتابع حديثة فيقول : << كيف أعود إلى بلادي ، إلى بيتي ، إلى أهلي بدون نتيجة ، ماذا سيقال عني ، ماذا يمكن أن يحدث ؟ ..احياناً أحاول أن أبعد تلك الأفكار وشبحها  من رأسي ، احاول أن اخفف من إزدحامها في دماغي ، ان أفارق إثارتها أن ابتسم أن أبدؤ مرحاً >> .
حتى يبلغ تلك النتيجة المنشوة عليه أن يكون هادئ المزاج ، أن لا يعاني من التوتر ، أن يقوم بجولات ترفيهيه ، ولكن ان قام ببجولة في وقت من الفراغ ، أحس بتأنيب الضمير ، يعاني من وقت إلى آخر بتوتر خاص وبدوار يعاوده في رأسه ، لا يدع له أي راحة ، هناك في نفسه  خفقان سريع لايستقر على حال ، ينبوع ينفجر من امامه من الهموم ، طاقة جامحة ، رغبات طبيعية ، لا تكبح ولا تنتزع .
يقول : << ترى هل وصلت إلى زمن أفنيت فيه عمري ، نفذت إلى لب الحقيقة ، أنتهيت إلى اليأس والقنوط ، كنت أشعر دائماً أنني مختلف ....، محاصر بكأنات لا أعرفها ، يخيل لي أنها تريد إفتراسي ، حولي رمال صفراء صاخنة من وهج الشمس ، تريد أن تبتلع جسمي ، جسمي يكاد أن يذوب من حرارتها ، أغمض عيني لحظة ، ثم أفتحها لا أرى أي شئ ، أحاول من جديد ، يعاودني صداع يكاد أن يفجر رأسي >> .
أستولى عليه شعور غريب ، يتنفس الصعداء ، متنهداً ، ضجر ، وبشعور بشمئزاز حزين صراع هائل يدور في صدره ، يا نكد الأيام ، يا مضاجع البلوى ، يخفي أحلام راقية عن حياة المستقبل الذي ملأه بالأمال العريضة ، مزيجاً من العواطف الناضجة وغير الناضجة التي لازالت في طور الشباب أو الطفولة التي تلامس أوتار النفس وتحرك مشاعر السعادة ولارتياح .
يتابع حديثه ويقول : << اتميز بالحساسية المرهفة ، وبمشاعر الزهو والفخار بالتصميم العنيد ،التي لازالت تلاحقني في كل مكان  ....  أنا باحث وكاتب وشاعر ومهندس وطبيب نفسي و ....  >> .
لحظة صمت بتفكر عميق ثم يسترسل في الكلام : << طفت أبحث عن نفسي ذلك الأنسان الذي كنت منذ أمد بعيد ، أو ذك الطفل النشيط ، أو ذلك الشاب الذي كان يحلم بكل أنواع السعادة والرفاهية ، أو الذي حلمت يوماً أن أكون ، فناديت في عالم المجهول وقلت وأنا مهموم :
أين أنا من هذا الوجود
أين السعادة أين العهود
أين المحبة  أيـن تسود
أعيش على أمل مسدود >> .
ثم يتنفس بإرتياح وتابع يقول : << كنت اعاني من نوبات ، من الكآبة الغامضة ، أو من سحابات الحزن الداكنة ، فأنكمش بائساً حزيناً ، اعتدت ان ابقى منفرداً متأملاً فيما حولي ، غير أن المسألة صارت أكثر تعقيداً وصعوبة في مواجة الأمور الحقيقية ، التي أصبحت صعبة التحقيق ، حين أجد نفسي عاجز في مواجهتها ، أنفق ساعات نهاري وليلي ، ساعات مرهقة لاجدوى منها تمر ، أيام ، أشهر ، سنوات ، يجب عليّ أن أقوم بعمل نافع بدل من هذه الساعات التي تمر عليّ وانا جالس على الطاولة أتصفح الأوراق والكتب ، عمل لا يطعم خبز ، صدق المقريزي عندما قال:
والدهر دهر الجاهـلـين وأمر أهـل العـلم فاتر  
                                  لا سوق أكسد فيه من سوق المحابر والدفاتر >> .
... ويتابع حديثه ويقول : <<نهاية الأمل والطموح شبه معروفة ، انها فكرة مخزية وتعاسة شائكة تسري في  افكاري ..... مستقبل الدراسة ، أصبح الفشل يظهر عليه ، الذاكرة تكاد معدومة ، علي أن اترك عبثية الطموح الذي أصبح لا فائدة منه ، صحيح أنه خزي وعار عليّ أن أضيع تعب تلك السنوات ، توجد أسباب لا يمكن أن تنسى أبداً ، أخطاء أو خطايا لاينفع معها الندم ، ولاينطبق عليها القول ‘‘ الذي فات مات ’’ ، أنه قول لا ينطبق على حالتي هذه ، أن الذي فات لازال حي في نفسي ، لا زال ينمو يوماً عن يوم ، يزيدني حزناً على حزن ، الطموحات والرغبات التي كانت تنمو داخلي ، الآمال والمباهج والأحلام ، تحولت الآن إلى شئ لا أفهمه ، أصبح جسمي يعلو محياه الشحوب ، النحافة زحفت عليه ، فأصبح كألقصبة الناشفة التي قطعت عن أمها ، أصبحت أشتبك مع نفسي ، مع رغباتها ، مع طموحاتها ، فتنكمش بأسة حزينة ، أراها وهي تغور ، لكنها تعاود الفوران بين حين وآخر ، وتفيق من أغوارها على شكل تنهيدات ، تبدؤ واضحة في بعض الاحيان ، في بعض القصائد ، والأحاديث ، أزجرها لكنها تعاود الظهور ، كنت أحمل شعوراً غامضاً ، ادرك احياناً ان هذه الحالة الكئيبة انما هي حالة مرضية ، لم تكن سوى حالة من التعبير عن الذات ، حالة مبالغ فيها ، أو حالة مرضية مستعصية ، انها حقاً ليست طبيعية ، لا بد من معالجتها ، من معرفة أسبابها ، ربما ان احد اسبابها ، او هو السبب الرأيسي فيها ، مفارقة الأشياء الظرورية للحياة ، فقدان العطف والشعور بالحنان والسكينة النفسية ، أستطيع أن أخرج من هذا المأزق لكني احتاج إلى نقود ، أنني مفيلس فقير معددوم الحال >> .
يتنهد ثم يتابع حديثه بعد أن صمت  فيقول : << كنت أتجول في شوارع جنوى ، أشعث أغبر ، مهموماً حائراً ، لا أعرف إلى أين اتجه ، فالسبل أستدت في وجهي ، من جميع نواحي الحياة ، لم أعد مفلح لا في الدراسة ولا في العمل ، وبدأت الهموم تتقاطب علي من كل النواحي ولاتجاهات ، الأعياء والشحوب علامات ظاهرة على وجهي أصبحت لم ارع أي هتمام أو عناية بهندامي ومظهري ، فتغنيت من ضيق الحياة وقلت :
أظلم ليلي وأنطفى فانوسي
ونهاري قد أشرق عبوسي
أمسيت في جنوى مكدوس
بــدون  نقـود أو فلــوس
ولم أزل بين مقرود ومتعوس >> .
ثم يتابع حديثه بعد أن صمت  فيقول : << في دماغي اترك الأحلام تأخذ مجراها كيف تشاء ، الخوف يعذبني ، الشعور بالفشل وضياع العمر في بلاد الغربة بدون نتيجة يرهقني ، أخذت أظهر بتعبير اللامبالاة ، الواقع اصابني بمرارة شديدة ، لكن يجب ان اتكيف معه ، ولو بشكل ساخر ، اجد في الانعزال رضى ، استمتع بواقعي المر ، ولكني قررت في قرارنفسي أن أستذكر وأن أستدرك  اعوماً ضاعت  بأكملها لم  أفعل فيها شئ ، واضع هدفي الأعلى تصب عيني . الناس لا تدرك ما أعانيه في غربتي ، لكن ساودعه الورق ، لافرج عني بعض من الغم المقهور الذي تعرى أمام خيالي ، سراع بين روحي وجسدي ، وقلبي ونفسي ، سأقول الحق بلا رياء ولو قيل عني أني مجنون ، دعني وشأني >> .
نهاية الفصل السادس

ليست هناك تعليقات: