الأحد، أغسطس 29، 2010

المسافر

المسافر
"قصة قصيرة"
كان ذلك اليوم يوم الخميس بعد إنتهاء الدوام ، عندما عدنا من المدرسة إلى المنزل الذي سكناه من اجل الدراسة ، لانه قريب من المدرسة.
وبدا كل منا يجمع ملابسه المتسخة ويصرها ليسهل نقلها، جمع زميلي ملابسه وصرها مع ملابسي ، ثم خرجنا بعد ان أغلقنا باب الغرفة ، وتوجهنا إلى السوق ، واشترى كل منا قليل من البرتقال الرخيص ، ووضعناهما مع صرتا الملابس في الحقيبة وسرنا بتجاه موقف السيارات ، في موقف السيارات أنتظرنا ريثما تصل احد السيارات.
كان المنظر يثير العجب والعطف معاً. جمهور من الركاب وكل معه صرة او شنطة. كلٌ في إنتظار سيارات الريف . والعجب العجيب انهم عاملين فوضي ،إنهم لم يلتزموا بالدور ، فاذا حضرت سيارة بعد طولٌ من الانتظار ، هرعوا اليها كهجوم الغنم على طاولة العلف ، والقوي القوي سيروح مبكراً قبل مغيب الشمس.
واخيراً ... ركبت احد السيارات وودعني زميلي وعاد من حيث اتينا. وتحركت بنا تفج صفوف المزدحمين عن يمين وشمال، وثمَّ لحظة حتى كنا خارجين من نطاق المدينة ، وانبسطت الطريق امامنا ، وادار السائق مفتاح المذياع فنبعث منه انغام مسيقية ... الشمس في قرصها الذهبي ، الحقول والاشجار على جانبي الدرب تبدؤ مع شعاع الشمس كانها جنة تتخللها اشعة شمس الغروب بطيفها الجميل ، منظر جذب فكري وخيالي فسرحت في عالم الخيال.
وبعد شوط ليس بالقليل سقطت الشمس في حجابها وخيم الظلام من حولنا ، فاشعل السائق المصباح الامامي لسيارة لينير الطريق لنا ، وثمَّ لحظات حتى اشرت إلى السائق بالوقوف لانزل.
نزلت حاملاً في يدي حقيبتي ، ووقفت اجول نظري فيما حولي ، وتذكرت ما ساقاسية في هذا الظلام ، عليّ الآن مسيرة ساعة على الاقدام، والظلام قد زحف على هذا الكون وقد اعطى ستره. سرت والظلام من حولي يشتد اكثر فاكثر ، اطبقت علي وساوس شتى وامسيت اتخيل كل حجر او شجر بارز إنسان او حش او .... ما يسمى "بالغولة" ، وصوت الزنانير يعلو ويخفت معطياً الحاناً شجية وانغاماً فنية ، ولكني لم انتبه لها ولم استمتع ولم اطرب لاستماعها ، وامسى صوتها يزعجني ويخيفني ويرهقني . وسماء من حولي تبعث بنور مصابيحها في اضواء مختلفة ... واشكال ... سبحان خالقها جل شأنه.
ولكن خيالي لم يفكر هي هذه الاشياء الجميلة التي حولي من اصوات واضواء ، بل كان سارحاً وهايماً في اشياء واشياء ...
أهذه زيارة تسمى ، أصلهم وفي منتصف الليل واعادرهم بعد شروق الشمس ؟! لا لن اغادرهم الاّ بعد الظهر ، يجب ان تجف الملابس حتى أخذها .... بعد الظهر سوف لن احد مواصلات توصلني . أخذ الملابس قبل ان تجف ، مش مشكلة ، نجففها هناك ...
كم هذه المرة يعطوني ... ربما دينارين ، لا انهما لا يكفياني .... قبل اسبوعين ابي اعطاني خمسة دنانير .... ماذا قال لي عندما اعطاني اياها ... انني لا ازال اذكر كلامه ... ((ياولدي الله يرضى عليك ... حافظ على رزقك ولا تشتري الاّ الضروري ... ربما انك تمرض ... )) أذكر كلامه دايماً ، يا الله ... نعم انني اذكر ذلك الكلام ، آه !! انني مصرف ... انني اذكر تلك الليلة التي اخذني فيها الزملاء إلى السنماء ... عندما دفعت عشرون قرشاً ثمن للتذكرة ... آه! انهما يكفياني يومين على الاقل ، انهم زملاء سوء ، لماذا انا احسب نفسي مثلهم ، انهم ... اما أنا ...، لا لايمكن ، انا مثلهم هم اناس وانا انسان ، المال مش كل شئ ؛ ساتخرج واتوظف ويكون معي مال مثل التراب .... واين تلك الايام؟؟ ..
امي انها الآن تنتظرني ... اني لا أزال أذكر كلامها لي ودعاءها الله يرضى ويوفقك و ...
وصحوت من خيالي على صوت نباح كلابنا، فانثنيت على الارض أجمع حُصْى لادافع بها عن نفسي ... دائماً يتنكراني ويهجمان علي لاني لا اقضي عند اهلي طويلاً حتى يعرفاني ، فهما يهجمان علي كاني غريب .
وحمّلت يداي بكثير من الحجارة وبدأت اقذف بها على الكلاب ، حتى اقبلوا اخوتي ليحموني من الكلاب.
كانت فرحتهم بقدومي فرحة كبيرة لا توصف ، وفرحة امي اكثر، وتقاسم الصغار حبات البرتقال، وارسلت احدهم بملابس زميلي والبرتقال إلى اهله.
4 جمادى اولى 1402هـ
الموافق 27/2/1982م

ليست هناك تعليقات: