الجمعة، سبتمبر 03، 2010

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) - الفصل الثاني

أبو بدران يبحث عن الآمان (رواية) 
 الفصل الثاني
2
مراهق
هكذا انطلق يبحث كالمارد الجان ، فحاول ان عشق بنت الجيران ، ذات الحسن والدلال الفتان ، يراها كل يوم وهي في فستان ، يراها كل يوم في حقل ابيها ، ترعى زهر الأقحوان أو كزهر الأقحوان .
ينظر لها من بعيد وهو حيران ، وفي قلبه نار تقيد بغليان ، لايجسر ان يكلمها وهو الولهان ، يزداد حباً لها بسرعة الطيران ، كلما مر بجانب حقل ابيها الطفران ، نظراته تتعلق بها بافتنان .
عندما يراها من بعيد تنبسط سريرته بفتران ، ويذهب الأنقباض المتوتر عليه وهو غثيان ، نور بوهج خفي غامض عن الاعيان ، لا يعرف له تفسير حتى هذا الاوان ، يسيطر على نفسيه ينقله إلى عالم الجنان ، إلى عالم آخر ، يجعله يدور حول حقلهم ، حول دارها بسرعة الطيران .
هذه ظاهرة من ظواهر الجنان ، تكثر عندما ينظر إليها بفوران ، إلى عينيها العسليتين الداكنتان ، ذوات البريق الخاطف المشعتان ، التان تبعثان في نفسه راحة لا مثيل لها في عالم الاكوان .
عندما يسمع صوتها يصهل كالحصان ، تستولي عليه حالة الجان ، من النشوة تنقلة إلى عالم الريحان إلى عالم آخر ، يقول واصفاً له :
" ذلك الصوت الذي يخرج من بين الشففتين الصغيرتين ، فلا تسأل عنه يا ولهان ، لذيذ المسمع على الاذان ، يزيده الإبتسام جمال على جمال ، جمال وافتنان ".
عندما يمر بقربها كالسكران ، عطرها الذي يفوح من شعرها ريحان ، من اردائها ارجوان ، من جسمها الذي كمطرق الريحان ، يجعله يغيب عن الوجدان .
تزداد به الحيرة حيرتان ، كيف الوصول اليها ايها الانسان ، قلبه يشير عليه أنها تحبه حبان ، يلاحظ ذلك من نظرات العينان ، من نظراتها له ، عندما كان يمر بجانبها تلحظه بعينيها ، بسهمان ، تنظر إليه بنظرات لها بريقان ، تلحظه بهما وتجذبه نحوها كنعسان ، فيتراقص قلبه من الفرحة ريان ، ويغمره شعور بالغبطة والسرورمخموران .
وعندما تبتسم له بالشفتين ، يطغى عليه شعور لذيذ بإضطراب يسري فيه مسرى الدم من الانسان .
هكذا يزداد حبه يوماً عن يوم متسارعاً ، فيحول طريقه ليجعلها من أمام حقلهم البستان ، حتى يستطيع أن يراها كل يوم في ذهابه وأيابه طيفان .
تمر الايام ، وحبه في هيام ، ازدياد لها على الدوام ، اصبح لايستغني عن رؤيتها حتى في الاحلام ، نظراتها تلاحقه تشجعه على الإقتحام ، إقتحام حاجز الخجل المشحوب بالخوف من ردة فعلها ، قرر اخيراً ان يتكلم معها عندما سمحت له الظروف بمخاطبتها ، لكنه عجز عن النطق ، وحال الخجل حاجز الوديان ، فلم يستطع ان يشرح لها عن حبه الولهان ، ولكنه رماها بنظرات باحت لها عما كان يجول في خياله والوجدان ، هكذا مر اول لقاء بأمان، فلعل الايام القادمة تكون مواتية تمام ، لكن الظروف لم تكن دائماً مواتية ، وَهْمٍ وغثيان.
مرت الأيام ، تتلو بعضها بعض ، ولم يحصل بينهم لقاء جم ، أزداد به الشوق والهم ، يراها من بعيد علم ، ولايستطيع أن يكلمها ابكم .
يصورها في مخيلته ويعيد حركاتها وهمساتها ، وتسرح به احلام اليقظة ، لترمي به في عالم الخيال والوهم .
حان ثاني لقاء ، عند حوض الماء ، بعد مرور من الزمن ، حاول أن يقترب منها ان يلأمس ملابسها أن يحتك بثوبها ، لكنه لا يقدر أن يفعل ذلك لها هيبة تمنعه من ذلك ، أو أنه لديه خجل وحياء ، يجتاحه شعور مصحوب بخجل وضعف لذيذين ، ترتعش مفاصله لا يقدر على مسك أعصابه .
بسطت يدها له ، حاول أن يمد يده إليها ليصافحها ، شعر متشنج في يده قبل أن تلامس كفها ، تجمد ذراعه فلا يستطيع أن يحركها يشعر بألم فيها ، تشنجت أعصابها ، كاد أن يرد يده ، أستجمع قواه ، لحظات حرجة في حياته ، التفتت له بحنان وكأنها قالت : لماذا أنت ترتجف كالحيوان ، هل تشعر بالبرد يا جبان؟ لا يستطيع أن يجيبها سكران ، يهز رأسه بالأجابة فرحان ، غير أن الفرح له احساسان ، الخاص أو الممزوج بالفرح والألام .
لامست كفه كفها بحياء وحنان ، أحس بدفء كفها يسري جسمه كسم الثعبان ، برعشة كهربائية لذيذة في كل اوان ، اجتاحه شعور مفعم بالسعادة ريان ، لا يقد على وصفه مهما كان ، ولم يشعر به طيلة حياته في الهوان .
هكذا تجري الأيام ، ولم يحصل بينهم لقاء من جديد بإنتظام .
نهاية الفصل الثاني

ليست هناك تعليقات: